أي: إلى حكمنا ترجعون بعد الميت، فنجازيكم وفق ما يظهر من أعمالهم، ولا يخفى ما في هذا من الوعد والوعيد، وفيه إيماء (?) إلى أن المقصود من هذه الحياة الدنيا الابتلاء والتعرض للثواب والعقاب، واعلم أن المجازاة لا تسعها دار التكليف، فلا بد من دار أخرى، لا يصار إليها إلّا بالموت والنشور، فلا بد لكل نفس من أن تموت، ثم تبعث.
قال بعضهم: فائدة حالة المفارقة رفع الخبائث التي حصلت للروح بصحبة الأجسام، وفائدة حالة الإعادة حصول التنعمات الأخروية، التي أعدت لعباد الله الصالحين، ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وقرأ الجمهور (?): {تُرْجَعُونَ} بتاء الخطاب مبنيًا للمفعول. وقرأت فرقة: بضم الياء للغيبة. مبنيًا للمفعول، على سبيل الالتفات. وقرأت فرقة، منهم ابن عامر، بالتاء مفتوحة مبنيًا للفاعل.
36 - {وَإِذَا رَآكَ} يا محمد هؤلاء {الَّذِينَ كَفَرُوا} وأشركوا بالله تعالى، يعني المستهزئين منهم، كأبي جهل وأضرابه أو صناديد قريش {إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا}؛ أي: ما يتخذونك إلّا مهزوءًا بك. والهزء مزح في خفية؛ أي: لا يفعلون بك إلّا اتخاذك مهزوءًا بك. والمراد: قصر معاملتهم معه على اتخاذهم إياه هزؤاً، لا قصر اتخاذهم على كونه هزوًا كما هو المتبادر، حالة كونهم يقولون في حال الهزء {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} بسوء ويسبها. وإنما أطلقه (?) لدلالة الحال عليه، فإن ذكر العدوّ لا يكون إلّا بسوء؛ أي: يقبل بعضهم لبعض فيما بينهم: أهذا الرجل هو الذي يسبُّ ويعيِّب آلهتكم وأصنامكم؛ أي: يبطل كونها معبودة، ويقبح عبادتها. يقال فلان يذكر الناس؛ أي: يغتابهم ويذكرهم بالعيوب، وفلان يذكر الله؛ أي: يصفه بالتعظيم ويثني عليه. وجملة قوله: {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} حال (?) من فاعل {يَتَّخِذُونَكَ}، والضمير الأول