[35]

وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}، فالمراد بإنكار الخلود ونفيه إنكار الشماتة التي كان الخلود مداراً لها، وجودًا وعدمًا، قال الشاعر:

فَقُلْ لِلشَّامِتِيْنَ بِنَا أَفِيقُوْا ... سَيَلْقَى الشَّامِتُوْنَ كَمَا لَقِيْنَا

والهمزة في قوله: {أَفَإِنْ مِتّ} للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والفاء في {فَهُمُ الْخَالِدُونَ}: رابطة الجواب بالشرط، والتقدير: أيبقى هؤلاء المشركون حتى يشمتوا بموتك، فإن متّ يا محمد بأجلك المحتوم .. فهم الخالدون في الدنيا بعدك؟ وقرىء {مِتَّ} بكسر الميم وضمها لغتان.

والمعنى: أي (?) وما كتب لأحد من قبلك البقاء في الدنيا، حتى نبقيك فيها، بل قدّر لك أن تموت، كما مات رسلنا من قبلك، أفهؤلاء المشركون بربهم هم الخالدون بعدك، لا ليس الأمر كذلك، بل هم ميتون، عشت أو مت. أخرج البيهقي وغيره، عن عائشة قالت: دخل أبو بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد مات فقبَّله، وقال: وانبيَّاهُ، واخليلاه، واصفيَّاه، ثم تلا {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ...} الآية.

35 - ثم أكّد ما سلف، وبيّن أن أحدًا لا يبقى في هذه الدنيا، فقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}؛ أي: كل نفس منفوسة من خلقه، ذائقة مرارة الموت ومتجرعة كأسه، وشدة مفارقة الروح للبدن، وقد جاء في الحديث: "إن للموت لسكرات"، فلا يفرحنّ أحد لموت أحد، ولا يظهرن التشفي منه، كما لا ينبغي أن تبدوا عليه علامات الجزع والحسرة لموت أحد.

وهذا برهان على ما أنكر من خلودهم (?)، والمراد: النفس الناطقة، التي هي الروح الإنساني، وموتها عبارة عن مفارقتها جسدها؛ أي: ذائقة مرارة المفارقة، والذوق هذا لا يمكن إجراؤه على ظاهره؛ لأن الموت ليس من المطعوم حتى يذاق، بل الذوق إدارك خاص، فيجوز جعله مجازًا عن أصل الإدراك، والموت: صفة وجودية خلقت ضدًّا للحياة، أو هو عبارة عن زوال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015