فما محمد، ولا قومه، ولا الأمم المعاصرون لهم يعلمون شيئًا من هذه الآيات الكونية التي أيد صحتها تقدم العلوم، ففهم ظاهر الأرض وباطنها، وفي هذا مصداق لما أثر عن علي - رضي الله عنه -: "القرآن جديد لا تبلى جدته".
والرابع: ما ذكره بقوله: {وَجَعَلْنَا فِيهَا}؛ أي في الأرض، أو في الرواسي، وعليه اقتصر في الجلالين؛ لأنها المحتاجة إلى الطرق {فِجَاجًا}، أي: طرقًا {سُبُلًا}؛ أي مسلوكةً؛ لأن السبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك، والفجُّ الشقُّ بين الجبلين. قال أبو عبيدة: الفجاج المسالك.
وقال الزجاج: الفجاج جمع فجّ، وهو كل مخترق بين جبلين، و {سُبُلًا} تفسير للفجاج؛ لأنَّ الفج قد لا يكون طريقًا نافذًا مسلوكًا {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}؛ أي: لكي يهتدوا إلى مصالحهم ومهماتهم التي جعلت لهم في البلاد البعيدة، أو إرادة أن يهتدوا إلى ذلك.
وعبارة النسفي هنا: {فِجَاجًا} أي (?): طرقا واسعة: جمع فج، وهو الطريق الواسع، ونصب على الحال من {سُبُلًا} متقدمة، فإن قلت: أي فرق بين قوله تعالى: {لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)} وبين هذه الآية؟
قلت: الأول للإعلام بأنه جعل فيها طرقا واسعة. والثاني لبيان أنه حين خلقها، خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثَمَّ، انتهت.
وعبارة البيضاوي: قوله: {فِجَاجًا سُبُلًا}؛ أي (?): مسالك واسعة، وإنما قدّم {فِجَاجًا} وهو وصف له ليصير حالًا، فيدل على أنه حين خلقها خلقها كذلك، أو ليبدل منها سبلًا، فيدل ضمناً على أنه خلقها، ووسعها للسابلة مع ما يكون فيه من التوكيد انتهت.
والمعنى: أي وجعلنا في الأرض طرقًا بين جبالها يسلكها الناس من قطر إلى