وسئل علي - رضي الله عنه -: أيُّ الخلق أشدُّ؟ قال: أشد الخلق الجبال الرواسي، والحديد أشد منها يحث به الجبل، والنار تغلب الحديد، والماء يطفىء النار، والسحاب يحمل الماء، والريح يحمل السحاب، والإنسان يغلب الريح بالثبات، والنوم يغلب الإنسان، والهم يغلب النوم، والموت يغلب كلها، انتهى.

واعلم (?): أنه قد أثبت العلم حديثاً أن الأرض كانت نارًا ملتهبةً، ثم بردت قشرفها، وصارت صوانيةً صلبةً، وقدّروا زمن ذلك بنحو ثلاث مئة مليون سنةً. ومما يدل على صدق هذه النظرية ما نراه من حمم النيران التي تخرجها البراكين في جهات كثيرة من الأرض كما حدث في سنة (1909) لبركان فيزوف بإيطاليا، وقد طغى على مدينة مسينا، وابتلعها في باطنه، ولم يبق منها شيئًا، فهذه البراكين أشبه بأفواهٍ تتنفس بها الأرض لتخرج من باطنها نيرانًا، ومواد ذائبة، مما يرشد إلى أنها كلها في أحقاب طويلة كانت كذلك.

ولولا هذه القشرة الصلبة لتفجرت ينابيع النيران من سائر جهاتها، كما كانت بعدما انفصلت من الشمس كثيرة الثوران والفوران، وهذه القشوة الصوانية البعيدة الفور المغلقة للكرة النارية هي الحافظة لكرة النار التي تحتها، وهي التي تنبت منها الجبال التي نراها فوق أرضنا، وقد جعلت لحفظ الأرض من أن تميد، وما هي إلّا كأسنانٍ لها، طالت وامتدت فوق طبقات الأرض، فلو زالت هذه الجبال لبقي ما تحتها مفتوحًا، وإذ ذاك ربما تثور البراكين في جهات كثيرةٍ من الأرض، وتضطرب اضطرابًا شديدًا، وتزلزل زلزالًا كثيرًا.

وخلاصة ذلك: أنه لو لم تكن هذه الجبال التي هي قطعةٌ من قشرة الأرض مرتفعةٌ لما وجد ما يحفظ النيران المشتعله في باطن الأرض من الظهور على سطحها، بالبراكين والزلازل، وإذ ذاك ربما تضطرب الأرض اضطرابًا شديدًا، وتخرج نيرانها الملتهبة من باطنها، وتطغى على سطحها، وتهلك الحرث والنسل.

وهذه هي المعجزة الثالثة في الآية التي ترشد إلى أن القرآن وحي يوحى،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015