وحجتهم {ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي}؛ أي: عظة من سبق قبلي من الأمم السالفة وتذكيرهم وحجتهم، وقد أقمته عليكم، وأوضحته لكم، فأقيموا أنتم برهانكم. وقيل: المعنى (?): هذا القرآن المنزّل عليَّ ذكر من معي من الأمة وتذكيرهم وحجتهم على التوحيد، فالقرآن ذكر وعظة لمن اتّبعه - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة، وهذه الكتب الموجودة بين أيديكم من التوراة، والإنجيل، والزبور، ذكر من قبلي من الأمم الماضية، وحجتهم على التوحيد، فانظروا هل في واحد منها أنَّ الله أمر باتخاذ إلهٍ سواه. قال الزجاج: قل لهم: هاتوا برهانكم بأن رسولًا من الرسل أخبر أمته بأن لهم إلهًا غير الله، فهل في ذكر من معي وكتابهم وهو القرآن، وفي ذكر من قبلي وكتبهم، وهي التوراة والإنجيل والزبور إلا توحيد الله سبحانه وتعالى. وقيل: معنى الكلام الوعيد والتهديد؛ أي: افعلوا ما شئتم فعن قريب ينكشف الغطاء.
وعبارة "أبي السعود" (?): {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي}؛ أي: عظتهم ومتمسكهم على التوحيد، فأقيموا أنتم برهانكم على التعدد، اهـ. و {هذا} اسم (?) إشارة مبتدأ، أشار به للكتب السماوية، وقد أخبر عنه بخبرين، فبالنظر للخبر الأول يرادبه القرآن، وبالنظر للخبر الثاني يراد به ما عداه من الكتب السماوية.
وقرأ الجمهور (?): بإضافة {ذكر} إلى {من} فيهما على إضافة المصدر إلى المفعول كقوله: {بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ}. وقرىء بتنوين {ذكر} فيهما، و {من} مفعول منصوب بالذكر كقوله: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا}. وقرأ يحيى بن يعمر، وطلحة بتنوين {ذِكْرُ} فيهما، وكسر ميم {من} فيهما، ومعنى {مَعِيَ} هنا عندي، والمعنى: هذا ذكر من عندي، ومن قبلي؛ أي: أذكّركم بهذا القرآن الذي عندي، كما ذكّر الأنبياء من قبلي أممهم. ودخول {مَنْ} على {مع} نادر، ولكنه اسم يدل على الصحبة والاجتماع، أجري مجرى الظرف، فدخلت