اضطرابهم في مقالاتهم، فذكر أنهم أضربوا عن نسبة السحر إليه بقوله: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ}؛ أي: ما أتى به أباطيل منامات لا يصحّ تأويلها لاختلاطها. والأضغاث (?): جمع ضغث بالكسر، والضغث قبضة من حشيش مختلطة الرطب باليابس. وأضغاث أحلام: رؤيا لا يصح تأويلها, لاختلاطها كما في "القاموس". والأحلام جمع حلم، والحلم بضم الحاء وسكون اللام الرؤيا. وضم اللام أيضًا لغة فيه، فالأحلام بمعنى المنامات، سواء كانت باطلة أو حقةً. وأضيفت الأضغاث بمعنى الأباطيل إليها، على طريق إضافة الخاص إلى العام إضافة بمعنى من، وقد تخص الرؤيا بالمنام الحق، والحلم بالمنام الباطل كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان". ثم إن هذا إضرابٌ من جهته تعالى، وانتقال من حكاية قول إلى آخر؛ أي: لم يقتصروا على أن يقولوا في حقه عليه السلام: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}، وفي حق ما ظهر على يده من القرآن إنه سحر، بل قالوا: تخاليط أحلام؛ أي: أخلاط أحلام كاذبة، رآها في المنام {بَلِ افْتَرَاهُ}؛ أي: بل قالوا: افتراه، واختلقه من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل أو شبهة أصل. ثم حكى سبحانه عنهم أنهم أضربوا عن هذا، وقالوا: {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} وما أتى به شعر يخيّل إلى السامع معاني لا حقيقة لها.

أي: بل قال بعضهم: أخلاط أحلام قد رآها في النوم. وقال آخرون: بل اختلقه من تلقاء نفسه، ونسبه إلى الله تعالى. وقال قوم: بل هو شاعر، وما أتى به شعر.

وخلاصة ذلك (?)؛ أنهم ما صدقوا بحكمة هذا القرآن، ولا أقروا أنه من عند الله، ولا أنه وحي أوحاه الله إليه، بل قالوا هذه المقالات.

وفي هذا الاضطراب منهم (?)، والتلوّن والتردد، أعظم دليل على أنهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015