إن لم يكن فيه أذًى على مسلم، كقولك: لعنة الله على فرعون، وقارون، وهامان، وأبي جهل؛ لأنّه ثبت أنَّ هؤلاء ماتوا على الكفر، وعُرف ذلك شرعًا، وإن كان ممن لم يثبت كفره شرعًا كلعنة الله على زيدٍ، أو عمرٍو، أو غيرهما بعينه، فهذا فيه خطرٌ؛ لأنَّ حال خاتمته غير معلوم، ورُبَّما يسلم الكافر، أو يتوب المذنب، فيموت مقرَّبًا عند الله تعالى، فكيف يحكم بكونه ملعونًا؟ ألا ترى أنَّ وحشيًّا قتَلَ عمَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أعني حمزة رضي الله عنه - ثُمَّ أسلم على يد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبشَّره الله بالجنّة، وهذا حجةُ مَنْ لم يلعن يزيد بن معاوية؛ لأنّه يحتمل أن يتوب ويرجع عمَّا عليه، فمع هذا الاحتمال لا يُلْعنُ.
قال بعضُهم: لَعْنُ يزيد على اشتهارِ كفره، وتواترِ فظاعةِ شرّه؛ لَمَّا أنَّه كفَرَ حين أمر بقتل الحُسين - رضي الله عنه - ولمَا قال في الخمر:
فإنْ حُرِّمَتْ يومًا على دينِ أَحمدٍ ... فخُذْهَا على دينِ المسيحِ ابنِ مريمِ
واتَّفقوا على جواز اللَّعن علي من قتل الحُسَيْن - رضي الله عنه - أو أمر به، أو أجازه، أو رضي به، كما قال سعد الدين التفتازانيُّ: الحقُّ إِنَّ رِضَى يزيد بقَتْلِ الحسين، واستبشاره به، وإهانَته أهلَ بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ممَّا تواتر معناه، وإن كانت تفاصيله آحادًا، فنحن لا نتوقَّف في شأنه، بل في إيمانه لعنة الله عليه، وعلى أنصاره وأعوانه. انتهى.
ثم اعلم (?): أن اللعنة ترتدُّ على اللاعن إن لم يكنْ الملعون أهلًا لذلك، ولعن المؤمن كقتله في الإثم، وربَّما يلعن شيئًا من ماله، فتنزع منه البركة، فلا يلعن شيئًا من خلق الله تعالى، لا للجماد ولا للحيوان، ولا للإنسان، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قال العبد لعن الله الدنيا، قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربّه" فالأولى أن يترك، ويشتغل بدله بالذكر والتسبيح، إذ فيه ثوابٌ، ولا ثواب في اللعن، وإن كان يستحقُّ اللعن.