قال أبو حيان (?): وظاهر قوله: {مَا عَرَفُوا} أنّه الكتاب؛ لأنّه أتى بلفظ ما، ويحتمل أنّه يراد به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ {مَا} قد يعبَّر بها عن صفات من يعقل، ويجوز أن يكون المعنى: ما عرفوه من الحق، فيندرج فيه معرفة نبوّته، وشريعته، وكتابه، وما تضمنه، وقوله: {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} لمَّا كان الكتاب جائيًا من عند الله إليهم فكذَّبوه، وستروا ما سبق لهم عرفانه، فكان ذلك استهانةً بالمُرْسَلِ، والمُرْسَل به، قابلهم الله تعالى بالاستهانة والطَّرد، وأضاف اللعنة إلى الله تعالى على سبيل المبالغة؛ لأنَّ من لعنه الله تعالى هو الملعون حقيقةً {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ} {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}، ثمّ إنّه لم يكتف باللعنة حتى جعلها مستعليةً عليهم، كأنّه شيءٌ جاءهم من أعلاهم فجلَّلهم بها، ثُمَّ نبَّه على علّة اللَّعنة وسببها وهي الكفر، كما قال قبل: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ} و {مَا} (?) في قوله:
90 - {بِئْسَمَا} نكرةٌ موصوفة منصوبةٌ على التمييز، مفسّرةٌ لفاعل بئس المحذوف وجوبًا، تقديره: بئس وقبح الشيء شيئًا {اشْتَرَوْا} صفة لما، واشترى بمعنى: باع وابتاع، والمراد هنا الأوَّل {بِهِ} عائد إلى {مَا}؛ أي: بذلك الشيء {أَنْفُسَهُمْ} المرادُ (?) بها الإيمان، وإنَّما وضع الأنفسَ موضع الإيمان؛ إيذانا بأنّها إنّما خُلقت للعلم، والعملِ به المُعبَّر عنه الإيمان، ولمّا بدّلوا الإيمان بالكفر كانوا كأنّهم بدَّلوا الأنفس به؛ أي: بئس الشيء شيئًا باعوا به أنفسهم؛ أي: إيمانَهم، والمخصوص بالذمِّ ما ذكره بقوله: {أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} على محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: بالكتاب المصدِّق لما معهم بعد الوقوف على حقيقته؛ أي: والمخصوص بالذمّ كفرهم بالقرآن الذي أنزل الله سبحانه على محمد - صلى الله عليه وسلم -، المصدّق للتوارة التي معهم {بَغْيًا} علّة (?) لأنْ يَكْفُروا أي: حسدًا وطلبًا لما ليس لهم، كما أنّ الحاسد يطلب ما ليس له لنفسه مما للمحسود من