جحدوا، وأنكروا برسالته - صلى الله عليه وسلم - وبِكَوْنِ القرآن من عند الله تعالى حسدًا، وخوفًا على الرئاسة، وحرصًا عليها، وغيَّروا صفته، وهو جواب {لمَّا} الأولى، والثانية تكريرٌ لها، كما مرت الإشارة إليه؛ أي: فيكون قوله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا} تكريرًا لقوله: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}؛ للتأكيد؛ ولطول الفصل بين لمّا الأولى، وجوابها الذي هو جملة قوله: {كَفَرُوا بِهِ} {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}؛ أي: إِبعادُ الله سبحانه، وطَرْده من خيرات الدنيا والآخرة عليهم؛ أي: على اليهود، ففيه (?) وَضْعُ الظاهر موضع المضمر؛ إشعارًا بأنّهم استحقُّوا اللعنة لكفرهم، والفاء للدلالة على ترتيب اللعنة على الكفر، واللام في الكافرين للعهد، أو للجنس، ودخلوا فيه دخولًا أوَّليًّا؛ لأنّ الكلام فيهم.
واعلم: أنّ (?) اللعنة في حقّ الكفار: الطرد والإبعاد من الرحمة، والكرامة، والجنّة على الإطلاق، وفي حقّ المذنبين من المؤمنين: الإبعاد عن الكرامة التي وعد بها من لم يَخُضْ في ذلك الذنب، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن احتكر فهو ملعون"؛ أي: من ادّخر ما يشتريه وقت الغلاء لبيعه وقت زيادة الغلاء، فهو مطرودٌ من درجة الأبرار لا من رحمة الغفار.
واعلم: أن الصفات المقتضية للعن ثلاثٌ: الكفر، والبدعة، والفسق، وله في كل واحدة ثلاث مراتب:
الأولى: اللعن بالوصف الأعم، كقولك: لعنة الله على الكافرين، أو المبتدعة والفسقة.
والثانية: اللعن بأوصافٍ أخصَّ منه، كقولك: لعنة الله على اليهود والنصارى، أو على القدريّة، والخوارج، والروافض، أو على الزُّناة والظلمة، وآكل الربا، وكُلُّ ذلك جائزٌ.
والثالثة: اللعن علي الشخص، فإن كان ممن ثبت كفرهم شرعًا، يجوز لعنه