{وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ} أي: بساهٍ {عَمَّا تَعْمَلُونَ} من القبائح التي من جملتها هذا المنكر؛ أي: لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، فيجازيهم بها يوم البعث، وهذا تهديدٌ شديدٌ، وزجرٌ عظيمٌ عن المعصية، وبشارةٌ عظيمةٌ على الطاعة؛ لأنّ الغفلة إذا كانت ممتنعة عليه تعالى، مع أنّه أقدر القادرين وصَلَتِ الحُقوقُ إلى مستحقِّيها، فهو مجازيكم على ما اجترحتم من السيّئات.
وقرأ الجمهور (?): {يُرَدُّونَ} بالياء، وهو مناسب لما قبله من قوله: {مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ} ويحتمل أن يكون التفاتًا، فيكون راجعًا إلى قوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ} فيكون قد خرج من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة. وقرأ الحسن، وابن الهرمز باختلاف عنهما (تُردُّون) بالتاء، وهو مناسبٌ لقوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ} ويحتمل أن يكون التفاتًا بالنسبة إلى قوله: {مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ} فيكون قد خرج من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب، وأشدُّ العذاب الخلود في النار، وأشديته من حيث إنه لا انقضاء له، أو أنواع عذاب جهنّم؛ لأنّها دركاتٌ مختلفةٌ، وفيها أوديةٌ، وحَيَّاتٌ، أو العذاب الذي لا فرح فيه ولا رَوح مع اليأس من التخلُّصِ، أو الأشدِّية بالنسبة إلى عذاب الدنيا، أو الأشدِّية بالنسبة إلى عذاب عامَّتهم؛ لأنّهم الذين أضلُّوهم ودلَّسُوا عليهم، أقوالٌ خمسةٌ. وقرأ نافع (?)، وابن كثير، وأبو بكر: (عمّا يعملون) بالياء، والباقون بالتاء من فوق، فبالياء ناسب {يُرَدُّونَ} قراءة الجمهور، وبالتاء تُناسب قراءةَ {تُردُّون} بالتاء، فيكون المخاطب بذلك من كان مخاطبًا في الآية قبل، ويحتمل أن يكون الخطاب لأمّةِ محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إنَّ بني إسرائيل قد مضوا، وأنتم الذين تُعنَوْن بهذا يا أُمّة محمدٍ! وبما يجري مجراه). وهذه الآية من أوعظ الآيات إذ المعنى: إنّ الله بالمرصاد لكل كافرٍ وعاصٍ، ثُمَّ أكَّد عظيم حماقتهم وسيىء، إجرامهم، ثم شديد نكالهم على ما اجترحوا، فقال:
86 - {أُولَئِكَ} الموصوفون بما ذكر من الأوصاف القبيحة التي منها الجمع بين