الإيمان والكفر، هم {اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}؛ أي: استبدلوا الحياة الدنيا {بِالْآخِرَةِ}؛ أي: عن الآخرة، وأعرضوا عن الآخرة مع تمكِّنهم من تحصيلها؛ أي (?) اختاروا لذَّات الحياة الدنيا على لذات الآخرة اختيار المشتري المبيع بدل الثمن؛ لأنّ الجمع بين لذَّات الدنيا ولذات الآخرة غير ممكنٍ، فمن اشتغل بتحصيل لذات الدنيا فاتته لذات الآخرة، أي: أولئك الذين آثروا الحياة الدنيا، واستبدلوها بالآخرة، فقدَّمُوا حظوظهم في هذه الحياة على حظوظهم في الحياة الآخرة، بما أهملوا من الشرائع، وتركوا من أوامرها التي يعرفونها كما يعرفون أبناءَهم، كالانتصار للحليف المشرك، ومظاهرته على قومه الذين تجمعهم وإيّاه رابطة الدين، والنسب، وإخراج أهله من دياره ابتغاءَ مرضاته {فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ} دنيويًّا، أو أخرويًّا، فلا يُهَوَّن عليهم العذاب، ولا يُقلَّل بنقص (?) الجزية عنهم في الدنيا، والتعذيب في الآخرة. وقيل: نفس التخفيف مختصٌّ بالآخرة، والمعنى حينئذٍ: فلا يخفَّف عنهم العذاب في الآخرة بالانقطاع، ولا بالقلَّة في كل وقت، أو في بعض الأوقات {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} أي: ولا هم يمنعون من عذاب الله؛ أي: ليس (?) لهم ناصرٌ يدفع عنهم العذاب، وينقذهم مما هم فيه من العذاب الدائم السرمديِّ، ويجيرهم منه.
وهذا (?) إخبار من الله سبحانه وتعالى، بأنَّ اليهود لا يزالون في عذاب موفَّر، لازم لهم بالجزية، والصغار، والذلّة، والمهانة، فلا يُخفَّف عنهم ذلك أبدًا ما داموا، ولا يوجد لهم ناصر يدفع عنهم، ولا يثبت لهم نصر في أنفسهم على عدوِّهم.
واعلم: أن الجمع بين تحصيل لذات الدنيا ولذات الآخرة ممتنعٌ غير