وقد جاء في الحديث: أَمْرُ الذي وضع نصل سيفه في الأَرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، وإخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّه من أهل النار"، وصحَّ: "من قتل نفسه بحديدةٍ فحديدته في يده يتوجَّأ بها في بطنه في نار جهنّم خالدًا مخلَّدًا فيها أبدًا"، وتظافرت على تحريم قتل النفس المِلَلُ، وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}.
وقيل معناه: لا تسفكوا دماءَ الناس، فإنَّ من سَفك دماءهم سُفك دمه، قال الشاعر:
سَقَيْناهُمُ كَأْسًا سَقُونَا بِمِثْلِهَا ... وَلَكِنَّهم كانوا على الموت أصبرا
وقيل معناه: لا تقتلوا أنفسكم بارتكابكم ما يوجب ذلك، كالإرتداد والزنا بعد الإحصان، والمحاربة وقتل النفس بغير حق، ونحو ذلك مما يُزيل عصمةَ الدماء. وقيل معناه: لا يسفكْ بعضكم دماء بعض، وإليه أشار بقوله: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وكُلُّ أهل دين كنفس واحدة. قاله قتادة، واختاره الزمخشريُّ. اهـ. "ابن عطيّة".
قال ابن عطيّة: إن الله أخذ على بني إسرائيل في التوراة ميثاقًا أن لا يقتل بعضهم بعضًا، ولا ينفيه، ولا يسترقّه، ولا يدعه يُسترق، إلى غير ذلك من الطاعات. اهـ. {وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} وأوطانكم، والديار: جمع دار، وهو المنزلة الذي فيه أبنية المقام، بخلاف منزل الارتحال؛ أي: لا يخرج (?) بعضكم بعضًا من منزله ووطنه، أو لا تسيئوا جوار من جاوركم، فتلجئوهم إلى الخروج من دياركم، أو لا تفعلوا ما تخرجون به أنفسكم من الجنّة التي هي داركم، أو لا تخرجون أنفسكم؛ أي: إخوانكم؛ لأنّكم كنفسٍ واحدةٍ، أو لا تفسدوا فيكون سببًا لإخراجكم من دياركم، كأنَّه يشير إلى تغريب الجاني، أو لا تفسدوا وتشاقوا الأنبياء والمؤمنين، فيكتب عليكم الجلاء، أقوالٌ ستّةٌ.
وفي اقتران الإخراج من الديار بالقتل (?)، إيذانٌ بأنّه بمنزلة القَتْلِ.