والمعنى: أي (?) واذكروا إذ أخذنا عليكم العهد، لا يريق بعضكم دم بعض، ولا يخرج بعضكم بعضًا من ديارهم، وأوطانهم، وقد جعل غير الرجل، كأنّه نفسه، ودمه كأنَّه دمه، إذا اتصل به دِينًا، أو نسبًا، إشارةً إلى وحدة الأُمّة وتضامنها، وأنَّ ما يصيب واحدًا منها فكأنَّما يصيب الأمّة جَمْعَاءَ، فيجب أن يشعر كُلُّ فرد منها بأنَّ نفسه نفس الآخرين، ودمه دمهم، فالروح الذي يحيا به، والدم الذي يَنْبِضُ في عرقه هو كدم الآخرين وأرواحهم، لا فرق بينهم في الشريعة التي وحَّدت بينهما في المصالح العامة، وهذا ما يؤْمىء إليه الحديثُ: "إنّما المؤمنون في تراحمهم، وتعاطفهم، بمنزلة الجسد الواحد، إذا اشتكى بعضه تداعى له سائر الجسد بالحُمَّى والسَّهر"، وقد يجوز أن يكون المعنى لا ترتكبوا من الجرائم ما تجازون عليه بالقتل قصاصًا، أو بالإخراج من الديار، فتكونون كأنّكم قد قتلتم أنفسكم؛ لأنّكم فعلتم ما تستحقُّون به القتل، كما يقول الرجل لآخر، قد فعل ما يستحقُّ به العقوبة: أنت الذي جنى على نفسه.
{ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} ذلك الميثاق، وقبلتموه، واعترفتم بلزومه، وبوجوب المحافظة عليه، يعني: قَبِلَ ذلك الميثاق، وأقرّ به أسلافكم {وَأَنْتُمْ} أيّها المعاصرون لمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - {تَشْهَدُونَ} على أسلافكم قَبُولَهم ذلك الميثاقَ والعهدَ، وتعلمون ذلك، أو المعنى؛ أي: ثمّ أقررتم بهذا الميثاق أيها الحاضرون المخاطبون، واعترفتم به، ولم تنكروه بألسنتكم، بل شهدتم به وأعلنتموه، فالحجة قائمةٌ عليكم، وقد يراد وأنتم أيها الحاضرون تشهدون على إقرار أسلافكم بهذا الميثاق وقبوله، وشهودهم الوحي الذي نزل به على موسى عليه السلام، إِمَّا بالنقل المتواتر، وإمّا بما تتلونه في التوراة، وإن كان معنى الشهادة الحضور، فيتعيَّن أن يكون الخطاب لأسلافهم. وقال بعض المفسرين: ثمّ أقررتم عائدٌ إلى الخلق، وأنتم تشهدون عائد إلى السَّلفِ؛ لأنّهم عاينوا سَفْكَ دماءِ بعضهم بعضًا، وقال: {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}؛ لأنَّ الأوائل والأصاغر صاروا كالشيء الواحد، فلذلك أطلق عليهم خطاب الحضرة. وقيل: إنَّ قوله: {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} تأكيدٌ للإقرار،