العباد، بعد بيان ما فعلوا بالعهد المتعلِّق بحقوق الله، فخانوا كُلًّا من العهدين، وهي متضمنةٌ لأربعة عهود (?):
الأوّل: لا يسفك بعضهم دماء بعضٍ.
الثاني: لا يخرج بعضهم بعضًا من ديارهم.
الثالث: لا يتظاهر بعضهم على بعض بالإثم والعدوان.
الرابع: إن وجد بعضهم بعضًا أسيرًا فداه ولو بجميع ما يملك.
والخطاب (?) هنا لليهود المعاصرين له - صلى الله عليه وسلم -، والمراد أسلافهم المعاصرون لموسى عليه السلام، على سنن التذكيرات السابقة.
أي: واذكروا أيّها اليهود المعاصرون لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وقت أن أخذنا الميثاق، وجعلنا العهد على آبائكم في التوراة، وقلنا لهم: {لَا تَسْفِكُونَ} ولا تريقون {دِمَاءَكُمْ} أي: لا يُرقْ بعضكم دم بعض، ولا يقتله ظلمًا وعدوانًا، فهو إخبارٌ بمعنى النهي، كأنّه سورع إلى الانتهاء فهو يخبر عنه، وإنّما جعل (?) قتل الرجل غيره قتل نفسه؛ لاتصاله به نسبًا أو دينًا؛ أو لأنَّ من أراق دم غيره فكأنَّما أراق دم نفسه؛ لأنّه يوجب قصاصًا.
وقرأ الجمهور (?): {تَسْفِكُونَ} بفتح التاء، وسكون السين، وكسر الفاء، وقرأ طلحة، وشعيب بن أبي حمزة كذلك، إلّا أنهما ضَمَّا الفاء، وقرأ أبو نهيك، وأبو مجلز بضمّ التاء، وفتح السين، وكسر الفاء المشدّدة، وقرأ ابن أبي إسحاق كذلك، إلّا أنّه سكَّن السين وخفف الفاء. قال أبو حيان: وظاهر قوله: {لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ}؛ أي: لا تفعلون ذلك بأنفسكم لشدَّةٍ تُصِيبكُم، وحَنَق يَلْحَقُكم،