ولم ينتهوا. والخطاب هناك للذين كانوا في عصر موسى عليه السلام، وهو هنا للحاضرين في عصر التنزيل؛ إرشادًا إلى أنَّ الأمَّة كالفرد يصيب خلفها أثر ما كان عليه سلفها إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، ما داموا على سنتهم يحتذون بحذوهم، ويجرون على نهجهم، كما أنَّ ما يفعله الشخص حين الصغر يؤثِّر في قواه العقليَّة، وأخلاقه النفسية حين الكبر، والمشاهدة أكبر برهان على ذلك.
أسباب النزول
قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ...} الآية، سبب نزول هذه الآية (?): ما أخرجه الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "الدلائل" بسند ضعيف، عن ابن عباس قال: (كانت يهود خيبر تقاتل غطفان، فكلّما التقوا هزموا يهود، فعاذت يهود بهذا الدعاء: اللهمّ! إنّا نسألك بحقّ محمدٍ النبيّ الأمّي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلّا نصرتنا عليهم، فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا فيهزمون غطفان، فلمَّا بعث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كفروا به، فأنزل الله سبحانه {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا}.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيدٍ، أو عكرمة عن ابن عباس: (أنَّ يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل، وبشر بن البراء، وداود بن سلمة: يا معشر اليهود! اتَّقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ونحن أهل شرك، وتخبروننا بأنَّه مبعوثٌ، وتصفونه بصفته، فقال سلام بن مشكم أحد بني نضير: ما جاءنا بشيءٍ نعرفه، وما هو بالذي كنَّا نذكر لكم) فأنزل الله: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ...} هو الآية.
التفسير وأوجه القراءة
84 - {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} وهذا شروع في بيان ما فعلوا بالعهد المتعلِّق بحقوق