والمراد أنّهم لا يعلمون الكتاب إلّا كما حَدَسوه، أو تخيَّلُوه في هواجسهم من أنهم شعب الله المختار، وأنَّ الله يعفو عنهم، وأنَّ آباءَهم الأنبياء يشفعون لهم، وما ذلك كلُّه إلّا أكاذيب مُنَمَّقة لفّقها لهم أحبارهم، فتناقلوها من غير تمحيصٍ، أو رويَّةٍ {إِلَّا يَظُنُّونَ} أصله: يَظْنُنُون بوزن يفعلون، نقلت حركة النون الأولى إلى الظاء، فسكنت فأدغمت في النون الثانية {فَوَيْلٌ} الويل: مصدر لا فعل له من لفظه، وما ذكر من قولهم، وَأَلَ مصنوعٌ، ولم يجيء من هذه المادة التي فاؤها واوٌ وعينها ياء إلّا وَيْل، وويح، وويس، وويب، ولا يثنى ولا يجمع، ويقال: ويله، ويجمع على ويلاتٍ. قال امرؤ القيس:
ويَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْر خِدْرَ عُنيزةٍ ... فقالَتْ لك الوَيْلاَتُ إنّك مُرْجل
وإذا أضيف ويْلٌ فالأحسن فيه النصب على المفعولية المطلقة؛ لأنَّه مصدرٌ لفعل أماته العرب، قال تعالى: {وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} وزعم بعضٌ أنَّه إذا أضيف لا يجوز فيه إلّا النصب، وإذا أفردته اختير الرفع على الابتداء قال: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ} ويجوز النصب أيضًا. قال الشاعر:
فَويْلًا لِتَيْمٍ مِنْ سَرابِيْلها الخُضْرِ
والوَيْلُ معناه: الفضيحة والحسرة، وقال الخليل: الوَيْلُ: شِدَّةُ الشرِّ، وقال غيره: الويل: الهلكة، وكُلُّ مَنْ وقع في هلكةٍ دعا بالوَيْلِ، وقال الأصمعيُّ: هي كلمة تفجُّعٍ، وقد يكون ترحُّمًا، ومنه قوله:
وَيْلَ أُمِّه مِسْعَرُ حَرْبِ
{يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} والأيدي جمع يدٍ، ويدٌ مما حذف منه اللام، كدم، ووزنه فعلٌ، وقد صرح بالأصل، فقالوا يَدْيٌ، وقد أبدلوا من الياء الأولى همزة، قالوا: قطع الله أَدْيَهُ، وأبدلوا منها أيضًا جيمًا، قالوا: لا أفعل ذلك جَدَ الدهر، يريدون يد الدهر، وهي حقيقةٌ في الجارحة مجازٌ في غيرها، وأمَّا الأيادي فجمع الجمع، وأكثر استعمال الأيادي في النعم، وأَصْلُ الأيْدي أيْدُي، استثقلت الضمّةُ على الياء، فحذفت، فسكنت الياء، وقبلها ضمّةٌ، فانقلبت واوًا، فصار الأيْدُوُ، كما قيل: في مِيقنٍ موقِنٌ، ثمّ إنّه لم يوجد في لسانهم واوٌ ساكنةٌ قبلها ضمَّةٌ في اسم، وإذا أدَّى القياسُ إلى ذلك قُلِبَت تلك الواو ياءً، وتلك الضمَّةُ قبلها