مضمرة بعدها، ثُمَّ أدغمت الجيم الأولى في الثانية، والمُحاجَّة من الاحتجاج وهو القصد للغلبة، يقال: حاجَّهُ قَصَد أن يغلب، والحُجَّة الكلام المستقيم، مأخوذٌ من محجَّة الطريق {مَا يُسِرُّونَ} أصله: يُسْرِرون بوزن يفعلون، نقلت حركة الراء الأُولى إلى السين، فلما سُكِّنت أدغمت في الثانية، يقال: أسرَّ الشيء إذا أَخْفاه، وأعلنه إذا أظهره.
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} جمع أُمِّي، والأمّيُّ: هو الذي لا يقرأ في كتاب ولا يكتب، نسب إلى الأُمّ؛ لأنه ليس من شغل النساء أن يكتبن، أو يقرأن في كتاب، أو لأنه بحال ولدَتْه أُمُّه لم ينتقل عنها، أو نسب إلى الأمّة وهي القامة والخلقة، كأنَّ الذي لا يكتب ولا يقرأ قائمٌ على الفطرة والجِبلَّة، أو إلى الأُمَّة، إذ هي سَاذجَةٌ قبل أن تَعِرف المعارف {إِلَّا أَمَانِيَّ} الأماني: جمع أُمنيَّة بضم الهمزة، وكسر النون، وتشديد الياء، وأصلها: أُمْنُوية بوزن أفُعولة، اجتمعت الواو والياء، وسُبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسرت النون؛ لمناسبة الياء، فجمعت على أفاعيل، وما روي من تخفيفها فجَمْعُه على أفاعِل، كما يقال: في جمع مفتاح مفاتحِ، وكأنَّ من قرأ بالتخفيف لم يعتد بحرف المدّ الذي في المفرد، كما مرّ مِن مَنَى إذا قدَّر؛ لأنّ المُتَمنِّي يقدِّر في نفسه، ويَحْزَرُ ما يتمنَّاه، أو من تمنَّى إذا كذب، قال أعرابي لابن دأبٍ في شيء حدَّث به: أهذا شيء رويته أم تمنيته؟ أي: اختلقته، وقال عثمان رضي الله عنه: ما تمنيت ولا تغنيت منذ أسلمت، أو من تمنَّى إذا تلا، قال تعالى: {إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}؛ أي: إذا تلا وقرأ، وقال الشاعر:
تَمَنَّى كِتابَ الله أوَّل لَيْلهِ ... وآخِرَه لاقَى حِمَامَ المَقَادِرِ
والتلاوة والكذب راجعان لمعنى التقدير، فالتقدير أصله، قال الشاعر:
وَلاَ تَقُولَنَّ لشيءٍ سَوْف أَفْعَلُه ... حتَّى تَبَيَّنَ ما يُمْنِي لَكَ المَانِي
أي: يقدِّر وجمعها بتشديد الياء؛ لأنّه أفاعيل، وإذا جمع على أفاعل خففت الياء، والأصل التشديد؛ لأنّ الياء الأولى في الجمع هي: الواو التي كانت في المفرد التي انقلبت فيه ياءً، ألا ترى أنَّ جمع أمُلْوُدْ أماليد. اهـ. من "البحر".