السائلون {مِنْهُ}؛ أي: من خبر ذي القرنين وحاله، فحذف المضاف {ذِكْرًا}؛ أي: نبأً مذكورًا، وبيانًا واضحًا، أو المعنى سأتلو عليكم في شأنه من جهته تعالى {ذِكْرًا}؛ أي: قرآنًا والسين للتأكيد والدلالة على التحقق؛ أي: لا أترك التلاوة البتة، أي: قل لهؤلاء المتعنتين: سأقص عليكم قصصًا وافيًا، جامعًا لما تريدون، أعلمنيه ربي، وأخبرني به،
84 - ثم فصل ذلك فقال: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ}؛ أي: لذي القرنين أمره من التصرف {فِي الْأَرْضِ} كيف يشاء، بحيث يصل إلى جميع مسالكها، ويظهر على سائر ملوكها؛ أي (?): جعلنا له قدرةً على التصرف في الأرض، من حيث التدبير والرأي، وعلى الأسباب حيث سخر له السحاب وبسط له النور وكان الليل والنهار عليه سواء في الضوء، وسهل عليه السير في الأرض {وَآتَيْنَاهُ}؛ أي: أعطيناه {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} يحتاج إليه في إصلاح ملكه {سَبَبًا}؛ أي: طريقًا يوصله إلى ذلك الشيء المقصود، كآلات السير، وكثرة الجند، فأراد بلوغ المغرب
85 - {فَأَتْبَعَ سَبَبًا}؛ أي: سلك طريقا يوصله إلى استقصاء بقاع الأرض، ليملأها عدلًا
86 - {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} أي: حتى إذا بلغ منتهى الأرض من جهة المغرب، بحيث لا يمكنه مجاوزته، ووقف على حافة البحر المحيط الأطلسي الغربي، الذي يقال له: أوقيانوس، الذي فيه الجزائر المسماة بالخالدات، التي هي مبدأ الأطوال، أو جاوز البحر المحيط، ووصل إلى موضع غروبها، ولا مانع من ذلك عقلًا ولا شرعًا، وما المانع من هذا بعد أن حكى الله عنه أنه بلغ مغرب الشمس، ومكن له في الأرض، والبحر من جملتها، ومجرد الاستبعاد لا يوجب حمل القرآن على خلاف ظاهره، ذكره الشوكاني.
{وَجَدَهَا}؛ أي: الشمس كأنها {تَغْرُبُ} في رأي العين {فِي عَيْنٍ}؛ أي: في بحر محيط {حَمِئَةٍ}؛ أي: ذات طين أسود، شديد السخونة، كما يدل عليه قراءة شعبة، وحمزة، والكسائي، وابن عامر {حامية} بألف بعد الحاء، وبياء بعد الميم، وهي قراءة ابن مسعود، وطلحة؛ أي: وجد الشمس تغرب في عين ذات حمأة، وطين أسود، وتلك العين هي نفس البحر المحيط لا غير.