وخلاصة ذلك (?): أنه بلغ بلادًا لا بلد بعدها تغرب عليها الشمس، إذ لم يكن عمران إلا ما عرفوه عند بحر الظلمات، فهو قد سار إلى بلاد تونس، ثم مراكش، ووصل إلى البحر، فوجد الشمس كأنها تغيب فيه، وهو أزرق اللون كأنه طين وماء.
قال في "البيان" (?): ولما وصل ذو القرنين إلى مغرب الشمس، يطلب عين الحياة .. قال له شيخ: هي خلف أرض الظلمة، ولما أراد أن يسلك في الظلمة .. سأل: أي الدواب في الليل أبصر؟ قالوا: الخيل فقال: أي الخيل أبصر؟ قالوا: الإناث فقال؛ أي الإناث أبصر؟ قالوا: البكارة، فجمع من عسكره ستة آلاف فرس كذلك فركبوا الرماك، وترك بقية عسكره، فدخلوا الظلمات فساروا يومًا وليلة، فأصاب الخضر العين, لأنه كان على مقدمة جيشه صاحب لوائه الأكبر، فشرب منها واغتسل، وأخطأ ذو القرنين، فساروا على حصحاص من حجارة، لا يدرون ما هي، فسألوه عنها فقال الإسكندر: خذوا من هذه الحجارة ما استطعتم، فإنه من أقل منها ندم، ومن أكثر منها ندم، فأخذوا وملأوا مخالي دوابهم من تلك الحجارة، فلما خرجوا .. نظروا إلى ما في مخاليهم، فوجوده زمردًا أخضر، فندموا كلهم لكونهم لم يكثروا ذلك {وَوَجَدَ عِنْدَهَا}؛ أي: عند تلك العين؛ يعني عند نهاية العمارة {قَوْمًا} كفارًا لباسهم جلود الوحوش، وطعامهم ما يلفظه البحر من السمك، فخيَّره الله سبحانه، بين أن يعذبهم بالقتل، أو أن يدعوهم إلى الإيمان, وهذا تفصيل قوله {قُلْنَا} له بطريق الإلهام {يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ} هؤلاء القوم الكفار؛ أي: أنت مخير في أمرهم بعد الدعوة إلى الإِسلام، بين أن تعذبهم بالقتل إن هم أبوا عن الإيمان, ولم يقروا بوحدانيتي، ويذعنوا لك، في ما تدعوهم إليه من طاعتي {وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ} وتفعل {فِيهِمْ حُسْنًا}؛ أي: أمرًا ذا حسن، فحذف المضاف؛ أي: وبين أن تفعل فيهم إحسانًا بالعفو أو الأسر، وسماما إحسانًا في مقابلة القتل، أي: بأن تتركهم أحياء، أي: فأنت مخير فيهم بين تعذيبهم بالقتل، وبين تركهم أحياء، إن أبوا عن