لبنات شعيب ما استطعم وقد أُطعم، حيث قال: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} والجواب هاهنا: إن الحرمان كان بسبب المعارضة، بحيث لم يكشف بعلم الله بحاله، بل جنح إلى الاعتماد على مخلوق، فأراد السكوت بحادث مسبوق، وهناك جرى على توكله ولم يُدخل وساطة عن المخلوقين بينه وبين ربه، بل حط الرحل ببابه {فَأَبَوْا}؛ أي: فامتنعوا؛ أي: أبى أهل القرية {أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا}؛ أي: أبوا من تضييفهما وتطعيمهما، وفي قوله: {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} دون أن يقول: فأبوا أن يطعموهما، زيادة تشنيع عليهم، ووصفهم بالدناءة والشح، فإن الكريم قد يردّ السائل المستطعم ولا يعاب، ولكن لا يرد الغريب المستضيف إلا لئيم، ألا تراهم يقولون في أهاجييهم: فلان يطرد الضيف؟ وعن قتادة: شر القرى التي لا يضاف فيها، ولا يُعرف لابن السبيل حقه.
وقرأ ابن الزبير والحسن وأبو رجاء وأبو رزين وابن محيصن وعاصم في رواية المفضل وأبان: بكسر الهضاد وإسكان الياء من أضاف، كما تقول: ميَّل وأمال، ذكره في "البحر".
{فَوَجَدَا}؛ أي: فوجد الخضر وموسى عليهما السلام {فِيهَا}؛ أي: في تلك القرية {جِدَارًا}؛ أي: حائطاً مائلاً {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}؛ أي: يقرب أن يسقط فمسحه بيده {فَأَقَامَهُ}؛ أي: أقام الخضر الجدار بالإشارة بيده فاستقام، أو هدمه ثم بناه، وعن ابن عباس: دفعه بيده فاستقام، وهذا أليق بحال الأنبياء، وكان ارتفاع الجدار مئة ذراع، وعرضه خمسون ذراعًا، وامتداده على وجه الأرض خمس مئة ذراع، والمعنى: فوجدا في القرية حائطاً مائلاً، مشرفاً على السقوط، فمسحه بيده، فقام واستوى وكان ذلك من معجزاته {قَالَ} له موسى لضرورة الحاجة إلى الطعام {لَوْ شِئْتَ} يا خضر أخذ الأجرة {لَاتَّخَذْتَ}؛ أي: لأخذت {عَلَيْهِ}؛ أي: على عملك هذا {أَجْرًا}؛ أي: أجرة حتى تشتري بها طعامًا؛ أي: كان (?) ينبغي لك أن تأخذ منهم جعلًا على عملك، لتقصيرهم فينا