عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ}، وقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ} إلى نحو ذلك من الآيات الكثيرة في هذا الباب، ثم أبان أن هذا إمهال لا إهمال، فقال: {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ} ليس لهم منه محيص، ولا ملجأ يلتجئون إليه من عذابه.
59 - ثم ذكر ما هو كالدليل على ما سلف، فقال: {وَتِلْكَ الْقُرى}؛ أي: قرى عاد وثمود وأضرابهما، وهي على تقدير المضاف؛ أي: وأهل تلك القرى مبتدأ خبره قوله تعالى: {أَهْلَكْناهُمْ} واستأصلناهم {لَمَّا ظَلَمُوا} وكفروا برسلهم؛ أي: وقت ظلمهم مثل ظلم أهل مكة بالتكذيب والجدال وأنواع المعاصي، و {لَمَّا} (?) إما حرف كما قال ابن عصفور، وإما ظرف استعمل للتعليل، وليس المراد به الوقت المعيّن الذي عملوا فيه الظلم، بل زمان من ابتداء الظلم إلى آخره {وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ}؛ أي: لهلاكهم {مَوْعِدًا}؛ أي: وقتًا معينًا لا يتأخرون عنه.
والمعنى: أي (?) وتلك القرى من عاد، وثمود، وأصحاب الأيكة، أهلكناهم لما ظلموا، فكفروا بآياتنا، وجعلنا لهلاكهم ميقاتا، وأجلا حين بلغوه جاءهم عذابنا فأهلكناهم به، وهكذا جعلنا لهؤلاء المشركين من قومك الذين لا يؤمنون بك موعدا لهلاكهم، إذا جاء أهلكناهم، كما هي سنتنا في الذين خلوا من قبلهم من أضرابهم من سالفي الأمم، فليعتبروا بهم، ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم، وقرأ الجمهور (?) {لِمَهْلِكِهِمْ} بضم الميم، وفتح اللام قال الزجاج: وفيه احتمالان: أحدهما: أن يكون مصدرًا مضافًا إلى المفعول، فيكون المعنى: وجعلنا لإهلاكهم، والثاني: أن يكون زمانا، فالمعنى لوقت هلاكهم، وقرأ حفص، وهارون عن أبي بكر بفتح الميم واللام، وهو مصدر مثل الهلاك، وهو مصدر مضاف إلى المفعول، أي لإهلاكهم، وقرأ حفصٌ عن عاصم بفتح الميم وكسر اللام، فيكون زمانًا، أي: لوقت إهلاكهم.