ذنوبه من الغفر، وهو إلباس الشيء ما يصونه من الدنس {ذُو الرَّحْمَةِ} خبر بعد خبر؛ أي: الموصوف بالرحمة الواسعة، وهي الإنعام على الخلق، وإيراد (?) المغفرة على صيغة المبالغة دون الرّحمة للتنبيه على كثرة الذنوب، وأن المغفرة ترك المضار، وهو سبحانه قادر على ترك ما لا يتناهى من العذاب، وأما الرحمة: فهي إنعام، وإيجاد، ولا يدخل تحت الوجود إلّا ما يتناهى، وتقديم الوصف الأول؛ لأن التّخلية مقدم على التحلية. {لَوْ يُؤاخِذُهُمْ}؛ أي: لو يريد مؤاخذتهم {بِما كَسَبُوا} من الذنوب {لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ}؛ أي: عذاب الاستئصال في الدنيا من غير إمهال لاستيجاب أعمالهم لذلك، ولكنه لم يعجل، ولم يؤاخذ بغتة {بَلْ} جعل {لَهُمُ}؛ أي: لعذابهم {مَوْعِدٌ}؛ أي: أجل مقدر قيل: هو عذاب الآخرة، وقيل: يوم بدر، فالموعد هنا اسم زمان {لَنْ يَجِدُوا} ألبتة حين مجيء الموعد {مِنْ دُونِهِ} تعالى؛ أي: من غيره سبحانه، وقيل: من دون العذاب {مَوْئِلًا}؛ أي: منجى وملجأ، يقال: وأل أي نجا، ووأل إليه أي لجأ إليه، وفيه دلالة على أبلغ وجه على أن لا ملجأ لهم ولا منجى، فإن من يكون ملجأه العذاب .. كيف يرى وجه الخلاص والنجاة منه؟.

وقرأ الجمهور (?): {مَوْئِلًا} بسكون الواو، وهمزة بعدها مكسورة، وقرأ الزهري {مولًا} بتشديد الواو من غير همز، ولا ياء، وقرأ أبو جعفر عن الحلواني عنه {مولا} بكسر الواو خفيفة من غير همز، ولا ياء.

والمعنى: أي وربك أيها الرسول غفورٌ لذنوب عباده، ذو رحمة واسعة بهم إذ هم أنابوا إليه، ورجعوا إلى رحاب عفوه وجوده وكرمه، فيرحمهم واسع الرحمات، ويتجاوز لهم عن عظيم الخطيئات، ولو شاء أن يؤاخذهم بما اجترحوا من المعاصي، كإعراضهم عن آياته، ومناصبتهم العداء لرسله، ومجادلتهم بالباطل، لعجل لهم العذاب في الدنيا، وأنزل بهم عذاب الاستئصال جزاء وفاقًا لقبيح أعمالهم، ومثل الآية قوله: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015