[58]

كراهة أن يفقهوا ما ذكّروا به، وجعلنا في آذانهم ثقلًا لئلّا يسمعوه، والمراد: أنه لا يدع شيئًا من الخير يصل إليها، فهي لا تعي شيئًا من الآيات إذا تليت عليها، ذلك أنهم فقدوا الاستعداد لقبول الرشاد بما دنّسوا به أنفسهم من قبيح الأفعال والأقوال، وبما اجترحوا من الكفر، والفسوق، والعصيان، فأصبح بينهم وبين سماع الحق حجاب غليظ، فلا ينفذ إلى السمع شيء مما يسمع سماع تدبّر واتّعاظ، ولا إلى القلب شيء مما يقال فيعيه وينتفع به، كما قال: {كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14)} وقال: {خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7)} وقد تكرر هذا المعنى في غير موضع من الكتاب الكريم.

ثم ذكر سبحانه أثر هذا الختم على القلوب {وَإِنْ تَدْعُهُمْ} يا محمد {إِلَى الْهُدى}؛ أي: إلى طريق الفلاح، وهو دين الإسلام {فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}؛ أي: لن يوجد منهم اهتداء أبدًا، أي: مدة التكليف كلها البتة إن دعوتهم إلى الهدى؛ لأنه محال منهم، وتقييده (?) بالأبدية مبالغة في انتفاء هدايتهم، أي: ومهما كررت أيها الرّسول من الدعوة إلى الحق حرصًا منك على نجاتهم، وخشية نزول البلاء بهم، فلن يستجيبوا لك، ولن يهتدوا بهديك، لأن الله قد كتب عليهم الضلال بسوء أعمالهم، وقبح طواياهم، فأنى يفيد النصح وتجدي العظة، ويرق القلب.

وخلاصة المعنى (?): كأنه - صلى الله عليه وسلم - حرصًا منه على هداهم قال: مالي أدعوهم رجاء أن تنكشف تلك الأكنّة، وتمزّق بيد الدعوة، فقيل له: وأنى لك ذلك {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} وقد جاءت هذه الآية في قومٍ علم الله أنهم سيموتون على الكفر من مشركي مكة.

58 - ثم بيّن أنّه سبحانه لا يعجل العقوبة لعباده على ما يجترحون من الفسوق والآثام رجاء أن ينيبوا إليه فقال: {وَرَبُّكَ} يا محمد مبتدأ، خبره {الْغَفُورُ}؛ أي: البيلغ في المغفرة، وهي صيانة العبد عما استحقه من العقاب، للتجاوز عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015