والإشادة بذكرهم، والإشارة إلى أنَّ وجود القليل من الصالحين في الأمة لا يمنع عنها العقاب إذا فشا فيها الفساد، وعمَّ البلاء، وقد جرت سنّة الله، بأنَّ بقاء الأمة عزيزةً مرهوبة الجانب ذات سطوة وبأسٍ، إنّما يكون بمحافظة السواد الأعظم فيها على الأخلاق الفاضلة، والدأب على العمل الذي به تستحقُّ العزَّ والشرف. بعد هذا (?)، لا عجب فيما ترى من حلول الكرب والبلاء بالمسلمين، الذين فتنوا في دينهم ودنياهم، وهم غافلون لاهون لا يعتبرون، ولا يذكرون.
فصلٌ فيما يتعلَّق بهذه الآية
واعلم: أنَّ في هذه الآية عدَّة أشياء (?):
منها: العبادة، فمِنْ شَرْط العُبودية: تفَرُّد العبد لعبادة المعبود، وتجرُّده عن كل مقصود، فمن لاحظ خلقًا، أو استحلى ثناءً، أو استجلب بطاعته إلى نفسه حظًّا من حظوظ الدنيا والآخرة، أو داخله بوجهٍ من الوجوه مزجٌ، أو شوبٌ، فهو ساقطٌ عن مرتبة الإخلاص برؤية نفسه.
ومنها: الإحسان إلى الوالدين، وقد عظَّم الله حقَّ الوالدين، حيث قرن حقَّه بحقّهما في آياتٍ من القرآن؛ لأنَّ النَّشْأة الأولى من عند الله سبحانه، والنشأة الثانية وهي التربية من جهة الوالدين، ويقال: ثلاث آيات أنزلت مقرونةً بثلاث آيات، ولا تقبل إحداها بغير قرينتها إحداها، قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} والثانية: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} والثالثة {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} والإحسان إلى الوالدين معاشرتهما بالمعروف، والتواضع لهما، والامتثال إلى أمرهما، وصلة أهل وُدِّهما، والدعاء بالمغفرة بعد مماتهما. وفي "التأويلات النجمية": إنّ في قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} إشارةٌ إلى أنَّ أعزَّ الخلق على الولد والداه، لأجل أنَّهما سُدَا وجوده في الظاهر، ولكن ينبغي أن يحسن