وهم الذين آمنوا منهم، كعبد الله بن سلام وأضرابه، فإنّهم وفوا بالعهد فآمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ورُوي عن أبي عمرو أنّه قرأ {إلا قليلٌ} بالرفع. وقرأ بذلك أيضًا قومٌ، قال ابن عطية: وهذا على إبدال قليلٌ من الضمير في تولّيتم. اهـ. من "البحر" تلخيصه: أخذنا عهدكم يا بني إسرائيل! بجميع المذكور، فقبلتم وأقبلتم عليه، ثمّ أعرضتم عن المُضِيِّ على مقتضى الميثاق ورفضتموه، إلّا قليلًا من أسلافكم وأخلافكم {وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} عمّا عهد إليكم، كأوائلكم، وهذا خطابٌ للفروع؛ أي: أنتم مكذّبون للحقِّ والهدى، وتاركون له حيث أتاكم به محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، وهذه (?) الجملة مؤكّدة لعاملها؛ لأنَّ توليتم يغني عنه. وقيل المعنى؛ تولَّيتم بأبدانكم وأنتم معرضون بقلوبكم، فعلى هذا فهي حال منتقلة.
وقيل هذه الجملة: تذييليَّةٌ (?)؛ أي: وأنتم قومٌ عادتكم الإعراض عن الطاعة، ومراعاة حقوق الميثاق، وليس الواو للحال؛ لاتحاد التولِّي والإعراض، فالجملة اعتراضٌ؛ للتأكيد في التوبيخ، وأصل الإعراض: الذهاب عن المواجهة، والإقبال إلى جانب العرض. وعبارة المراغي: وفي قوله: {وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} مبالغةٌ (?) في الترك المستفاد من التولّي؛ لأنّ الإنسان قد يتولَّى عن شيء وهو عازمٌ على أن يعود إليه، ويؤدِّي ما يجب عليه، فليس كُلُّ من تولَّى عن شيء يكون معرضًا عنه، وقد كان من تولّيهم وإعراضهم، أن تخذوا الأحبار والرهبان أربابًا مشرِّعين، يُحِلُّون، ويحرّمون، ويبيحون، ويحظرون، ويزيدون، ما شاءوا من الشعائر والمناسك الدينيَّة، فكأنّهم شركاء لله، يشرِّعون لهم ما لم يأذن به الله، كما كان من توّليهم أن بخلوا بالمال في الواجبات الدينيَّة، كالنفقة على ذوي القربى، وأداء الزكاة، وتركوا النهي عن المنكر، إلى نحو ذلك بما يدل على الاستهتار بأمور الدين.
وفائدة ذكر قوله: {إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ}؛ إفادة عدم بخس العاملين حقَّهم،