الميثاق المذكور إن كان الخطاب مع الأسلاف، كما هو ظاهر السياق، أو أدّوا الصلاة المفروضة كاملةً بالركوع والسجود، والتلاوة والخشوع، إن كان الخطاب مع الحاضرين في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وذكر الصلاة والزكاة مع دخولهما في عموم العبادة المذكور أوّلًا، من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ؛ إظهارًا لمزيته وفضله على غيره؛ لأنَّ الصلاة أفضل عبادات البدن، والزكاة أفضل عبادات المال؛ لأنّ الصلاة هي التي تصلح النفوس، وتنقّيها من أدران الرذائل، وتحلِّيها بأنواع الفضائل، وروحها هو الإخلاص لله، والخشوع لعظمته وسلطانه، فإن فقدته كانت صورًا ورسومًا لا تغني فتيلًا، وهم ما تولَّوا ولا أعرضوا عن تلك الصُّور والرسوم إلى عصر التنزيل {وَآتُوا الزَّكَاةَ}؛ أي: وأعطوا الزكاة المفروضة عليكم في ملّتكم، أو ادفعوا زكاة أموالكم إلى المُسْتَحقّين؛ لما (?) في الزكاة من إصلاح شؤون المجتمع، وقد كان لهم ضروبٌ من الزكاة:
منها: مالٌ خاصٌّ يؤدَّى لآل هارون، وهو إلى الآن في اللَّاوِيِّين - سبطٌ من أسباطهم -.
ومنها: مالٌ للمساكين.
ومنها: ما يؤخذ من ثمرات الأرض.
ومنها: سَبْتُ الأرض، وهو تركها في كلِّ سبع سنين مرَّةً بلا حرث ولا زرعٍ، وكل ما يخرج منها في تلك السنة فهو صدقةٌ.
ولمَّا أمرهم الله تعالى بهذه التكاليف الثمانية لتكون لهم المنزلة عنده بما التزموا به، أخبر عنهم أنّهم ما وَفَوا بذلك بقوله: {ثُمَّ} بعدما قبلتم الميثاق أوّلًا {تَوَلَّيْتُمْ} وأعرضتم، ورفضتموه {إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ}؛ أي: إلّا قليلًا من أسلافكم، وهم الذين أقاموا اليهوديَّة على طريقتها قبل النسخ، أو من أخلافكم،