القول هذه الجملة التي هي قوله: {هَذَا} المحرَّف هو الذي أنزل {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى في التوراة، وقوله: {لِيَشْتَرُوا} علة في القول وهي لام كي، وهي مكسورة؛ لأنّها حرف جرّ فيتعلَّق بيقولون. وبنو العنبر يفتحون لام كي، قاله مكّيٌّ في "إعراب القرآن" له، وقد أبعد من قال: إنها متعلِّقة بالاستقرار، وقوله: {بِهِ} متعلّق بقوله: {لِيَشْتَرُوا}، والضمير عائد على الذي أشاروا إليه بقولهم: {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وهو المكتوب المحرَّف؛ أي: يقولون هذا المحرَّف من عند الله، ليأخذوا لأنفسهم بمقابلة المحرف من سفلتهم، {ثَمَنًا قَلِيلًا}؛ أي: عوضًا يسيرًا لا يُعْبأَ به من الدنيا، وهو ما أخذوه من الرُّشَا في مقابلة ما فعلوا من التحريف والتأويل الزائغ. وإنّما عبَّر عن (?) المشترى الذي هو المقصود بالذات في عقد المعاوضة، بالثمن الذي هو وسيلةٌ فيه؛ إيذانًا بتعكيسهم، حيث جعلوا المقصود بالذات وسيلة، والوسيلة مقصودة بالذات، وإنّما وصفه بالقلّة؛ إمّا لفنائه وعدم ثوابه، وإمّا لكونه حرامًا؛ لأنّ الحرام لا بركة فيه، ولا يربو عند الله تعالى. كذا في "تفسير القرطبي".
وقد جمعوا (?) في هذا الفعل أنّهم ضلوا وأضلُّوا، وكذبوا على الله، وضمُّوا إلى ذلك حُبَّ الدنيا، وهذا الوعيد مرتَّب على كتابة الكتاب المحرَّف، وعلى إسناده إلى الله تعالى وكلاهما منكرٌ، والجمع بينهما أنكر، وهذا يدلُّ على تحريم أخذ المال على الباطل، وإن كان برضا المعطي {فَوَيْلٌ لَهُمْ}؛ أي: العقوبة العظيمة ثابتةٌ لهم {مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ}؛ أي: من أصل كتابهم إيّاه {وَوَيْلٌ لَهُمْ}؛ أي: عذابٌ شديد حاصلٌ لهم {مِمَّا يَكْسِبُونَ}؛ أي: من أصل كسبهم وأخذهم الرشوة، وعملهم المعاصي، وأصل الكسب: الفعل لجر نفعٍ أو دفع ضرٍّ، ولهذا لا يوصف به سبحانه وتعالى.
وكتابتهم (?) مقدّمةٌ نتيجتها كسب المال الحرام، فلذلك كرَّر الويل في كل