الإيمان به، فعمدوا إلى صفته في التوراة فغيَّرُوها، وكانت صفته فيها: حسن الوجه، حسن الشعر، أكحل العينين، ربعةً؛ أي: متوسِّط القامة، فغيروا ذلك وكتبوا مكانه: طويلٌ أزرق العينين، سبط الشعر؛ أي: جعده، وكانوا إذا سألتهم سفلتهم عن ذلك قرأوا عليهم ما كتبوا، فيجدونه مخالفًا لصفته - صلى الله عليه وسلم - فيكذبونه.

والكتابة معروفة ويقال: أوّل من كتب بالقلم إدريس عليه السلام. وقيل: آدم أبو البشر عليه السلام. وقيل: كتبوا في التوراة ما يدلُّ على خلاف صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبثُّوها في سفهائهم، وفي العرب وأخفوا تلك النسخ التي كانت عندهم بغير تبديل، وصار سفهاؤهم ومن يأتيهم من مشركي العرب إذا سألوهم عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون: ما هو هذا الموصوف عندنا في التوراة المبدَّلة المغيَّرة، ويقرؤونها عليهم، ويقولون: هذه التوراة التي أنزلت من عند الله ليشتروا بها ثمنًا قليلًا. وقيل: خاف ملوكهم على ملكهم إذا آمن الناس كُلُّهم، فجاؤوا إلى أحبار اليهود فجعلوا لهم عليهم وضائع ومآكل، وكشطوها من التوراة وكتبوا بأيديهم كتابًا، وحلَّلوا فيه ما اختاروا، وحرَّموا ما اختاروا.

وقوله: {بِأَيْدِيهِمْ} قال أبو حيان: تأكيدٌ يَرْفَعُ توهُّمَ المجاز؛ لأنّ قولك: زيد يكتب، ظاهره أنّه يباشر الكتابة، ويحتمل أن يُنسب إليه على طريقة المجاز، ويكون آمرًا بذلك، كما جاء في الحديث: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب)، وإنّما المعنى أمر بالكتابة؛ لأنّ الله تعالى قد أخبر أنّه النبيُّ الأمّيُّ، وهو الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب، وقد قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)} ونظير هذا التأكيد {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} و {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ} وقوله:

نظَرْتَ فلم تَنْظُر بَعْينيك مَنْظرًا

فهذه كلَّها أُتى بها؛ لتأكيد ما يقتضيه ظاهر اللفظ؛ ولرفع المجاز الذي كان يحتمله، وفي هذا التأكيد أيضًا تقبيحٌ لفعلهم إذ لم يكتفوا بأن يأمروا بالاختلاق والتغيير، حتى كانوا هم الذين تعاطوا ذلك بأنفسهم واجترحوه بأيديهم {ثُمَّ يَقُولُونَ} لأتباعهم (?) وسفلتهم الأميين الذين لا يعلمون إلا ما قُرىء لهم، ومعمول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015