واحد منهما؛ لئلّا يتوهم أنَّ الوعيد هو على المجموع فقط، فكل واحد من هذين متوعَّد عليه بالهلاك، وظاهر الكسب هو ما أخذوه على تحريفهم الكتاب من الحرام، وهو الأليق بمساق الآية، وقيل المراد: بما يكسبون الأعمال السيّئة، والمعنى: فويلٌ لهم لأجل ما كتبته أيديهم من الكتاب المحرَّف، وويل لهم لأجل ما يصيبونه ويأخذونه من سفلتهم، ومن الرُّشا والحرام على تحريفهم.
وفي الآيات إشاراتٌ (?):
الأولى: أنَّ علم الرجل، ويقينه، ومعرفته، ومكالمته مع الله لا يفيده الإيمان الحقيقيّ، إلّا أن يتداركه الله سبحانه بفضله ورحمته، قال الله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} وأنَّ الله تعالى كلَّم إبليس وخاطبه بقوله: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وما أفاده ذلك الإيمان الحقيقيُّ، إذ لم يكن مؤيَّدًا من الله بفضله ورحمته، ولم يبق على الإيمان بعد العيان، فكيف يؤمن بالبرهان.
والثانية: أنَّ العالم المعاند، والعاميَّ المُقلِّد سواءٌ في الضلال؛ لأنَّ العالم عليه أن يعمل بعلمه، وعلى العامي أن لا يرضى بالتقليد والظن وهو متمكنٌ من العلم، وأنَّ الدين ليس بالتَّمَنِّي، فالذين ركنوا إلى التقليد المحض واغترُّوا بظنونٍ فاسدةٍ، وتخميناتٍ مبهمةٍ، فهم الذين لا نصيب لهم من كتبهم إلّا قراءتها دون معرفة معانيها، وإدراك أسرارها وحقائقها، وهذا حال أكثر أهل زماننا من مدّعي الإِسلام بلا معرفة قواعده، وامتثال مأموراته واجتناب منهيّاته، فالمدَّعي والمُتمنِّي عاقبتهما خسرانٌ وضلالٌ، وحسرةٌ وندامة، ووبال وأنكال.
والثالثة: أنَّ من بدَّل، أو غيَّر، أو ابتدع في دين الله ما ليس منه فهو داخلٌ في الوعيد المذكور، وقد حذَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته عن ذلك؛ لما علم ما يكون في آخر الزمان، فقال: "ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنين