إنْ هُو مُسْتَوْلِيًا عَلَى أحدِ ... إلّا عَلَى أضْعَفِ المَجَانِين
وأتى بالخبر فعلًا مضارعًا ولم يأت باسم الفاعل؛ لأنّه يدلُّ على حدوث الظنّ وتجدده لهم شيئًا فشيئًا، فليسوا ثابتين على ظنّ واحد، بل يتجدَّد لهم ظنونٌ دالةٌ على اضطراب عقائدهم، واختلاف أهوائهم.
وفي هذه الآية (?): دليلٌ على أن المعارف كسبيَّةٌ، وعلى بطلان التقليد، وعلى أنّ المغترَّ بإضلال المُضِلّ مذمومٌ، وعلى أنَّ الاكتفاء بالظنّ في الأصول غير جائز، وعلى أنَّ القول بغير دليل باطلٌ، وعلى أنَّ ما تساوى وجوده وعدمه لا يجوز المصير إلى أحدهما إلّا بدليل سمعيّ، وتمسَّك بها أيضًا منكروا القياس وخبر الواحد؛ لأنَّهما لا يفيدان العلم. ثُمَّ ذكر الله سبحانه وتعالى، جريمة هؤلاء الرؤساء المُضلين الذين أضلُّوا العوامَّ،
79 - فقال: {فَوَيْلٌ}؛ أي: عذابٌ شديد، أو وادٍ في جهنّم، والويل كلمةٌ يقولها كُلُّ مَنْ وقع في هلكة بمعنى الدعاء على النفس بالعذاب؛ أي: عقوبةٌ عظيمةٌ وهلكةٌ شديدة، أو هو وادٍ في جهنّم يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا، قبل أن يبلغ قعره، كما روي عن أبي سعيد الخدريِّ. وقال سعيد بن المسيّب إنه وادٍ في جهنّم لو سُجّرت فيه جبال الدنيا، لذابت من شدّة حرّه. رواه الترمذي وغيره مرفوعًا. وهو مبتدأ خبره ما بعده، وسوَّغ الابتداء به مع كونه نكرة؛ ما فيه من معنى الدعاء، إذ الدعاء أحد المسوغات للابتداء بالنكرة، وهي تقارب ثلاثين مسوّغًا، كما هو مبسوط في كتب النحو؛ أي: فعذابٌ شديدٌ وعقوبةٌ عظيمة كائنة {لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ}؛ أي: يُحرِّفون التوراة عمَّا أنزلت عليه، ويكتبونه كتابةً مختلقةً من عند أنفسهم موافقةً لهواهم، وهم أحبار اليهود، وقوله: {بِأَيْدِيهِمْ} تأكيدٌ؛ لأنَّ الكتابة لا تكون إلّا بالأيدي؛ أو لأنّه يحتمل أن يأمر غيره بأن يكتب، فقال: {بِأَيْدِيهِمْ} لرفع هذه الشُّبهة، والمراد (?) بالذين يكتبون الكتابَ اليهودُ، وذلك أنَّ رؤساء اليهود خافوا ذهاب مآكلهم، وزوال رياستهم حين قدم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فاحتالوا في تعويق سفلتهم عن