رحمة مثل رحمتهما عليَّ، وتربيتهما وإرشادهما إيايَّ في حال صغري، وفاء بوعدك للراحمين، ويجوز أن تكون الكاف تعليلية؛ أي لأجل تربيتهما لي. روي أنّ رجلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ أبوي بلغا من الكبر أنّي ألي منهما ما وليا منّي في الصغر، فهل قضيتهما حقّهما؟ قال: «لا فإنّهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك، وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما».
وحاصل معنى الآيتين: أي إذا (?) وصل الوالدان عندك أو أحدهما إلى حال الضعف والعجز، وصَارَا عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أوله: وجب عليك أن تشفق عليهما وتحنو لهما، تعاملهما معاملة الشاكر لمن أنعم عليه، ويتجلّى بأن تتبع معهما الأمور الخمسة الآتية:
1 - أن لا تتأفَّف من شيءٍ تراه من أحدهما أو منهما ممّا يتأذَّى به النَّاس، ولكن أصبر على ذلك منهما، واحتسب الأجر عليه كما صبرًا عليك في صغرك.
2 - أن لا تنغّص عليهما بكلام تزجرهما به، وفي هذا منع من إظهار الضّجر القليل، أو الكثير.
3 - أن تقول لهما قولًا حسنًا، وكلامًا طيبًا، مقرونًا بالاحترام والتعظيم، ممّا يقتضيه حسن الأدب، وترشد إليه المروءة، كأن تقول يا أبتاه، ويا أماه، ولا تدعوهما بأسمائهما، ولا ترفع صوتك أمامهما، ولا تحدق فيهما بنظرك.
4 - أن تتواضع لهما، وتتذلل وتطيعهما فيما أمراك مما لم يكن معصيةً لله، رحمةً منك بهما وشفقة عليهما إذ هما قد احتاجا إلى من كان أفقر الخلق إليهما، وذلك منتهى ما يكون من الضّراعة، والمسكنة ولله در الخفاجي إذ يقول:
يا من أتى يسأل عن فاقتي ... ما حال من يسأل من سائله
ما ذلَّة السُّلطان إلّا إذا ... أصبح محتاجًا إلى عامله
وقوله: {مِنَ الرَّحْمَةِ}؛ أي: أن يكون ذلك التذلل رحمةً بهما، لا من أجل