وفي الحديث «ما من ولد ينظر إلى الوالد وإلى والدته نظر مرحمة إلّا كان له بها حجّة وعمرة» قيل: وإن نظر في اليوم ألف مرة قال: «وإن نظر في اليوم مئة ألف» كما في «خالصة الحقائق» وقلت: فيه مقال.
قال الفقهاء: لا يذهب بأبيه إلى البيعة، وإذا بعث إليه منها ليحمله .. فعل، ولا يناوله الخمر، ويأخذ الإناء منه إذا شربها، وعن أبي يوسف إذا أمره أن يوقد تحت قدره، وفيها لحم الخنزير، أوقد كما في «بحر العلوم» ولا ينتسب إلى غير والديه استنكافا منهما، فإنّه يستوجب اللعنة، وقرأ الجمهور (?): {من الذل} بضم الذال، وقرأ ابن عباس، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، والجحدريّ وابن وثّاب بكسر الذال.
ثمّ كأنه قال له سبحانه: ولا تكتف برحمتك التي لا دوام لها {وَ} لكن {قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما}؛ أي: وادع الله أن يرحمهما برحمته الباقية، ولو خمس مرات في اليوم والليلة، ولا تكتف برحمتك الفانية، وإن كانا كافرين .. لأن من الرحمة أن يهديهما إلى الإسلام، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - ما زال إبراهيم عليه السلام يستغفر لأبيه حتى مات، فلما تبيّن له أنه عدو لله تبرّأ منه، يعني ترك الدعاء، ولم يستغفر له بعد ما مات على الكفر، كذا في «تفسير أبي الليث» وفي الحديث «إذا ترك العبد الدعاء للوالدين ينقطع عنه الرزق في الدنيا» سئل ابن عيينة عن الصدقة عن الميت، فقال: كل ذلك واصل إليه، ولا شيء أنفع له من الاستغفار، ولو كان شيء أفضل منه، لأمرت به الأبوين. ويعضّده قوله عليه السلام: «إنّ الله ليرفع درجة العبد في الجنة، فيقول: يا رب أنّى لي هذا، فيقول: باستغفار ولدك» وفي الحديث «من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة كان بارًا».
والكاف في قوله {كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا} في محل النصب على أنه نعت مصدر محذوف؛ أي: قل في الدعاء لهما: رب ارحمهما برحمتك الدنيوية والأخروية