امتثال الأمر وخوف العار فقط، فتذكر نفسك بما تقدّم لهما من الإحسان إليك، وبما أمرت به من الشفقة والحدب عليهما، وقد مثّل حاله معهما بحال الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه لتربيته؛ فإنه يخفض له جناحه، فكأنه قال للولد: اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك في حال صغرك.
5 - أن تدعو الله أن يرحمهما برحمته الباقية، ولو خمس مرات في اليوم والليلة، كفاء رحمتهما لك في صغرك، وجميل شفقتهما عليك، وبالجملة فقد بالغ سبحانه في التوصية بهما، من وجوه كثيرة، وكفاهما أن شفع الإحسان إليهما بتوحيده، ونظمهما في سلك القضاء بهما معًا.
وبر الأم مقدّم على بر الأب (?)؛ لما روى الشيخان أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثمّ من؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أبوك».
ولا يختص برهما بحال الحياة، بل يكون بعد الموت أيضًا، فقد روى ابن ماجة أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم خصال أربع: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما» فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما.
والخلاصة: أنه سبحانه بالغ في التوصية بالوالدين مبالغة تقشعرّ منها جلود أهل العقوق، وتقف عندها شعورهم، من حيث افتتحها بالأمر بتوحيده وعبادته، ثمّ شفّعهما بالإحسان إليهما، ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخّص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضّجر، ومع أحوال لا يكاد الإنسان يصبر معها، وأن يذلّ ويخضع لهما، ثمّ ختمها بالدعاء لهما، والترحم عليهما، وهذه الخمسة الأشياء جعلها سبحانه من رحمته بها مقرونة بوحدانيّته، وعدم الشرك به.