وقرأ الجمهور (?): {وَقَضَى} فعلًا ماضيًا من القضاء، وقرأ أبو عمران، وعاصم الجحدري، ومعاذ القارىء {وقضاء ربك} بقاف، وضاد بالمد، والهمز والرفع، وخفض اسم الرب، مصدر قضى مرفوعًا على الابتداء، وأن لا تعبدوا خبره، وقرأ أبيّ بن كعب، وابن عباس، وابن جبير، والنخعيّ وأبو المتوكل، وميمون بن مهران: {ووصى ربك} من التوصية وهذا خلاف ما انعقد عليه الإجماع، فلا يلتفت إليه، وقرأ بعضهم {وأوصى} من الإيصاء، وينبغي أن يحمل ذلك على التفسير، لأنها قراءة مخالفة لسواد المصحف، والمتواتر هو: {قَضى} وهو المستفيض عن ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهم في أسانيد القرّاء السبعة. {وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا}؛ أي: وقضى ربّك بأن تحسنوا إلى الوالدين، إحسانًا كاملًا وتبروهما برًا واسعًا؛ ليكون الله معكم {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} فإن إحسانهما إليك قد بلغ الغاية العظيمة، فوجب أن يكون إحسانك إليهما كذلك، ومع ذلك لا تحصل المكافأة؛ لأن إنعامهما عليك كان على سبيل الابتداء، وفي الأمثال المشهورة «إن البادىء بالبرّ لا يكافأ».
وقد أمر الله سبحانه بالإحسان إليهما للأسباب الآتية (?):
1 - شفقتهما على الولد، وبذل الجهد في إيصال الخير إليه، وإبعاد الضر عنه جهد المستطاع، فوجب مقابلة ذلك بالإحسان إليهما، والشكر لهما.
2 - أنّ الولد قطعة من الوالدين كما جاء في الخبر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «فاطمة بضعة مني».
3 - أنهما أنعما عليه، وهو في غاية الضعف، ونهاية العجز، فوجب أن يقابل ذلك بالشكر حين كبرهما، كما قال الشاعر العربي يعدد نعمه على ولده وقد عقّه في كبره:
غذوتك مولودًا ومنتك يافعًا ... تعلّ بما أجني عليك وتنهلُ
إذا ليلةٌ ضافتك بالسُّقم لم أبت ... لسقمك إلّا سَاهرًا أتململُ