[23]

بعضهم قالوا: الأصل في الأوامر هو - صلى الله عليه وسلم -، وفي النواهي أُمَّته، وقيل: هو على إضمار القول، والتقدير: قل لكل مكلف: لا تجعل إلخ، وانتصاب (?) {مَذْمُومًا مَخْذُولًا} إمّا على خبريّتهما لـ {تقعد} إن قلنا: إنها من أفعال التصيير، وإما على الحال، إن قلنا: إنها على بابها بمعنى المكث؛ أي: فتصير جامعًا بين الأمرين الذم لك من الله، ومن ملائكته، ومن صالحي عباده، والخذلان لك منه سبحانه، أو تمكث حال كونك جامعًا بين الأمرين.

والمعنى (?): أي لا تجعل - أيها الإنسان - مع الله سبحانه شريكًا في ألوهيته وعبادته، ولكن أخلص له العبادة، وأفرد له الألوهة فإنه لا ربَّ غيره، ولا معبود سواه. إنّك إن تجعل معه إلها غيره، وتعبد معه سواه تصر ملومًا على ما ضيّعت من شكر الذي أنعم عليك بنعمه، وشكر من لم يولك نعمة مخذولًا لا ينصرك ربّك بل يكلك إلى من عبدته معه ممن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا.

وحاصل ما ذكره في هذه الآيات من أنواع التكاليف خمسة وعشرون نوعًا بعضها أصلي، وبعضها فرعيّ، وقد بدئت بالأصل في قوله: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ ...} الخ وختمت به أيضًا في قوله: {ولا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ} {فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} وسيأتي تعدادها في آخرها، إن شاء الله تعالى.

23 - وبعد أن ذكر الركن الأعظم في الإيمان، وهو التوحيد أتبعه بذكر شعائره، وشرائعه، وهي الأمور الآتية، فقال: {وَقَضى رَبُّكَ}؛ أي: وأمر ربك يا محمد كلّ مكلف أمرًا جزمًا، وحكما قطعا، وحتمًا مبرمًا {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}؛ أي: بأن لا تعبدوا غيره إذ العبادة نهاية التعظيم، فلا تستحقّ إلا لمن له غاية العظمة، ونهاية الإنعام، والإفضال على عباده، ولا منعم إلا هو سبحانه، وإنّما قال (?): {رَبُّكَ} خطابًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل ربكم مع كونه مقتضى السّياق؛ لأنه مخصوص بالتربية أصالة والأمة تبعٌ له في هذا الشأن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015