كأنّي أنا المطروق دونك بالّذي ... طرقت به دوني فعينيَّ تهملُ
تخاف الرَّدى نفسي عليك وإنّها ... لتعلم أنَّ الموت وقتٌ مؤجّلُ
فلمّا بلغت السِّنَّ والغاية الّتي ... إليها مدى ما كنت فيك أؤمِّلُ
جعلت جزائي غلظةً وفظاظةً ... كأنّك أنت المنعم المتفضِّلُ
فليتك إذ لم ترع حقَّ أبُوّتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعلُ
قيل (?): ووجه ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد عبادة الله سبحانه أنهما السبب الظاهر في وجود المتولِّد بينهما، وفي جعل الإحسان إلى الوالدين قرينا لتوحيد الله وعبادته، من الإعلان بتأكد حقهما، والعناية بشأنهما ما لا يخفى وكذلك جعل سبحانه في آية أخرى شكرهما مقترنا بشكره فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ}.
والخُلاصةُ: أنه لا نعمة تصل إلى الإنسان أكثر من نعمة الخالق عليه، ثمّ نعمة الوالدين، ومن ثم بدأ بشكر نعمته أوّلًا بقوله: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} ثمّ أردفها بشكر نعمة الوالدين بقوله: وبالوالدين إحسانا، ثم فصّل ما يجب من الإحسان إليهما بقوله: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما}، وكلمة (?) {إِمَّا} مركبة من {إن} الشرطية، و {ما} المزيدة لتأكيدها، ولذلك حلّ الفعل نون التوكيد، ومعنى {عِنْدَكَ} في كنفك وكفالتك، وأحدهما فاعل للفعل، وتوحيد ضمير الخطاب في {عِنْدَكَ}، وفيما بعده مع أنّ ما سبق على الجمع، للاحتراز عن التباس المراد، فإنّ المقصود نهي كل أحد عن تأفيف والديه، ونهرهما، ولو قوبل الجمع بالجمع أو بالتثنية .. لم يحصل هذا المراد فإن قلت: كيف خص الله سبحانه حال الكبر بالإحسان إلى الوالدين، وهو واجب في حقهما على العموم؟.
قلت: إنّ هذا وقت الحاجة في الغالب، وعند عدم الحاجة إجابتهما ندب، وفي حالة الحاجة واجب، ذكره في «روح البيان».