والضال بضلاله، وعدم مؤاخذة الإنسان بجناية غيره، ذكر أنه لا يعذب عباده إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال رسله، وإنزال كتبه، فبيّن سبحانه أنه لم يتركهم سدًى، ولا يؤاخذهم قبل إقامة الحجة عليهم، والظاهر: أنّه لا يعذبهم لا في الدنيا، ولا في الآخرة، إلّا بعد الإعذار إليهم بإرسال الرسل، وبه قالت طائفة من أهل العلم، وذهب الجمهور إلى أن المنفي هنا: هو عذاب الدنيا لا عذاب الآخرة، انتهت.
قلت: ومعنى الآية: وما كنا معذبين أحدًا في الدنيا، فلا يعارضه حديث «أبي وأبوك في النار» أو يقال: إنه أحاديث أحاد، فلا يعارض النص القطعيّ.
وقال ابن الجوزي: ومعنى (?) {حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}؛ أي: حتى نبيّن لهم ما به نعذب، وما من أجله ندخل الجنة، قال القاضي أبو يعلى: وفي هذا دليل على أن معرفة الله لا تجب عقلًا، وإنما تجب بالشرع، وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك .. لم يقطع عليه بالنار، قال: وقيل معناه: أنه لا يعذب في ما طريقه السمع إلا بقيام حجة السمع من جهة الرسول، ولهذا قالوا: لو أسلم بعض أهل الحرب في دار الحرب، ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوها لم يلزمه قضاء شيء منها؛ لأنها لا تلزمه إلّا بعد قيام حجة السمع، والأصل فيه: قصة أهل قباء حين استداروا إلى الكعبة، ولم يستأنفوا. ولو أسلم في دار الإسلام، ولم يعلم بفرض الصلاة .. فالواجب عليه القضاء، لأنه قد رأى النّاس يصلون في المساجد، بأذانٍ وإقامة، وذلك دعاء إليها.
الإعراب
{سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}.
{سُبْحانَ} منصوب على المفعولية المطلقة، بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: أسبح الله سبحانًا، والجملة المحذوفة مستأنفة، وهو مضاف، {الَّذِي} اسم موصول في محل الجر مضاف إليه، {أَسْرى} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود