بين سبحانه وتعالى أن هذا القرآن يدل على الطريق الأقوم ذكر الدلائل الدالة على وحدته تعالى وهو عجائب العالم العلوي والسفلي، فالقرآن نعم الدين، ووجود الليل والنهار نعم الدنيا، فلولاهما .. لما حصل للخلق الراحة، والكسب، والقرآن ممتزج من المحكم والمتشابه، فكذلك الدهر مركب من الليل والنهار، فالمحكم كالنهار، والمتشابه كالليل، فكما أنّ المقصود من التكليف لا يتم إلا بذكر المحكم والمتشابه، فكذلك الزمان لا يحصل الانتفاع به إلا بالليل والنهار، و {الفاء} في قوله: {فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ} تفسيرية (?)، والإضافة بيانية كما في إضافة العدد إلى المعدود؛ أي: فمحونا الآية التي هي الليل، والمحو في الأصل إزالة الشيء الثابت، والمراد هنا إبداعها، وخلقها ممحوة الضوء مطموسة كما في قولهم: سبحانه من صغّر البعوض، وكبّر الفيل؛ أي: أنشأهما وخلقهما كذلك، بقرينة أن محو الليل في مقابلة جعل النهار مضيئًا، {وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ}؛ أي: الآية التي هي النهار {مُبْصِرَةً}، أي: مضيئةً تبصر فيها الأشياء وصفها بحال أهلها.
ويجوز أن تكون الإضافة في الموضعين حقيقية، فالمراد بآية الليل والنهار القمر والشمس، والمعنى حينئذ {فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ}، وهي القمر، أي (?) طمسنا نورها؛ لأنه يبدو في أول الأمر على صورة الهلال، ثمّ لا يزال يتزايد نوره حتى يصير بدرًا كاملًا ثم يشرع في الانتقاص قليلًا قليلًا إلى أن يعود إلى المحاق {وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ} وهي الشمس {مُبْصِرَةً}؛ أي مضيئة ذات أشعة تظهر بها الأشياء المظلمة، فالإضاءة سبب لحصول الإبصار.
روي (?): أن الله تعالى خلق كلاًّ من نور القمر والشمس سبعين جزءًا، ثمّ أمر جبريل فمسح بجناحه ثلاث مرّات فمحا من القمر تسعة وستّين جزأ، فحولها إلى الشمس ليتميّز الليل من النهار، إذ كان في الزمن الأول لا يعرف الليل والنهار، فالسواد الذي في القمر أثر المحو، وهذا السواد في القمر بمنزلة الخال