وقد عادوا فعاد الله عليهم، بعقابه، فقد كذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهموا بقتله، فسلطه الله عليهم، فقتل قريظة، وأجلى بني النضير، وضرب الجزية على الباقين، فهم يعطونها عن يد وهم صاغرون، ولا ملك لهم ولا سلطان.
{وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا}؛ أي (?): محبسًا ومقرًا يحصرون فيه لا يستطيعون الخروج، منها أبد الآباد، فهو فعيل بمعنى فاعل؛ أي (?): حاصرة لهم، ومحيطة بهم، فصرف من حاصرة إلى حصير، كما صرف مؤلم إلى أليم، وتذكيره إما لكونه بمعنى النّسبة، كلابن وتامر، أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول، أو بالنظر إلى لفظ (جهنم) إذ ليس فيه علامة التأنيث، وعن الحسن: حصيرا؛ أي: بساطا، وفراشا، كما يبسط ويفرش الحصير المرمول، والحصير: المنسوج، وإنّما سمّي الحصير؛ لأنه حصرت طاقاته بعضها فوق بعض.
واعلم: أن جهنم عصمني الله وإياكم عنها من أعظم المخلوقات، وهي سجن الله في الآخرة يسجن فيه المعطلة؛ أي: نفاة الصانع والمشركون، والكافرون، والمنافقون، وأهل الكبائر من المؤمنين، ثمّ يخرج بالشفاعة وبالامتنان الإلهي من جاء النص الإلهي فيه؛ أي (?): إنه تعالى جعل جهنّم للكافرين به بساطًا، ومهادًا كما قال: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ} وقال ابن عباس وغيره: جعلناها سجنًا محيطًا بهم حابسًا لهم لا رجاء لهم في الخلاص منه.
وخلاصة ذلك: أن لهم في الدنيا ما تقدّم وصفه من العذاب، وفي الآخرة ما يكون محيطا بهم من عذاب جهنم، فلا يتخلصون منه أبدًا، وفي الكرخي: والمعنى: أن عذاب الدنيا، وإن كان شديدًا، إلا أنه قد يتفلّت بعض الناس عنه، والذي يقع فيه يتخلّص إما بالموت، أو بطريق آخر، وأما عذاب الآخرة، فإنه يكون محيطًا بهم، لا رجاء في الخلاص منه اهـ.
9 - {إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ} الذي آتيناك يا محمد {يَهْدِي} الناس كافةً لا فرقةً