فاتحين مذلين لكم كما دخلوه أول مرّة، وليهلكوا ما ادخرتموه وخزنتموه، تتبيرًا شديدًا فلا يبقون منه شيئًا.
والذي أثبته اليهود في تواريخهم (?): أن الذي أغار عليهم أولًا وخرب بيت المقدس هو بختنصر، وكان ذلك زمن إرميا عليه السلام، وقد أنذرهم مجيئه صريحا بعد أن نهاهم عن الفساد وعبادة الأوثان والأصنام، فحبسوه في بئر، وجرحوه، وأن الذي أغار عليهم ثانيا هو أسبيانوس قيصر الروم، وكان بين الإغارتين على ما قيل نحو من خمس مئة سنة، وعلى الجملة فمعرفة من بعث إليهم بأعيانهم وتواريخ البعوث مما لا يتعلّق به غرض كبير؛ لأن المراد أنه كلما كثرت معاصيهم .. سلط الله عليهم من ينتقم منهم، مرة بعد أخرى، وظاهر الآية يدل على اتحاد المبعوثين أولًا وثانيًا.
8 - {عَسى رَبُّكُمْ}؛ أي: حقق ربكم يا بني إسرائيل {أَنْ يَرْحَمَكُمْ} بعد انتقامه منكم في المرة الثانية، بإمداده إياكم في الأموال، والأولاد، إن تبتم توبةً أخرى، وانزجرتم عن المعاصي، فتابوا فرحمهم، {وَإِنْ عُدْتُمْ} مرة ثالثة إلى المعاصي {عُدْنا} إلى عقوبتكم.
قال أهل السير (?): ثمّ إنهم عادوا إلى ما لا ينبغي، وهو تكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم - وكتمان ما ورد من بعثه في التوراة، والإنجيل فعاد الله إلى عقوبتهم، على أيدي العرب، فجرى على بني قريظة، والنضير، وبني قينقاع، وخيبر، ما جرى من القتل، والسبي، والإجلاء، وضرب الجزية على من بقي منهم، وضرب الذلة والمسكنة.
والمعنى: {عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} بعد البعث الثاني إن تبتم وازدجرتم عن المعاصي، وقد حقق الله لهم وعده، فكثر عددهم، وأعزهم بعد الذلة، وجعل منهم الملوك والأنبياء، {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا}؛ أي: وإن عدتم لمعصيتي، ومخالفة أمري، وقتل رسلي، عدنا عليكم بالقتل، والسبي، وإحلال الذل والصغار بكم،