شدتها وقسوتها، والفاء لتفريع مشابهتها لها، على ما ذكر من القساوة تفريع التشبيه على بيان وجه الشبه، كقولك: احمرّ خدّه فهي كالورد؛ أي: فقلوبكم أيها اليهود مثل الحجارة الجامدة في القساوة، والصلابة، واليبس {أَوْ أَشَدُّ} منها {قَسْوَةً}؛ أي: بل هي أزيد قساوة وصلابة من الحجارة. وعنى بهذه القسوة. تركهم الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم بعد ما عرفوا صدقه، وقدرة الله على عقابهم بتكذيبهم إياه. وقوله: {قَسْوَةً} تمييز أو بمعنى بل، أو للتخيير؛ أي: إن شئتم فاجعلوها أشدّ منها، كالحديد، فأنتم مصيبون، وإنما لم تحمل {أَوْ} على معناها الأصلي وهو الشكّ والتردّد؛ لمّا أنّ ذلك محال على علام الغيوب.
فإن قلت: لم قيل: {أَشَدُّ قَسْوَةً}؟ وفعل القسوة مما يبنى فيه أفعل التفضيل وفعل التعجب؟
قلت: لكونه أبين وأدلّ على فرط القسوة من لفظ أقسى؛ لأن دلالته على الشدة بجوهر اللفظ الموضوع لها مع هيئة موضوعة للزيادة في معنى الشدة، بخلاف لفظ الأقسى، فإن دلالته على الشدة والزيادة في القسوة بالهيئة فقط.
والحكمة في ضرب قلوبهم مثلا بالحجارة، وتشبيهها بها دون غيرها من الأشياء الصلبة من الحديد، والصفر، وغيرهما؛ لأن الحديد تلينه النار وهو قابل للتليين، كما لان لداود عليه السلام، وكذا الصفر حتى يضرب منها الأواني والحجر لا يلينه نار ولا شيء آخر، فلذلك شبّه قلب الكافر بها، وهذا والله أعلم في حقّ قوم علم الله سبحانه أنهم لا يؤمنون، والمعنى؛ أي: إن قلوبكم صلبت بعد إذ رأيتم الحقّ وعرفتموه، واستكبرت عن الخضوع والإذعان لأمر الدين، فهي كالحجارة صلابة ويبسا، بل أشدّ
منها. وقوله: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ} (?) بيان لفضل قلوبهم على الحجارة في شدة القسوة، وتقرير لقوله: {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} و {مِنَ الْحِجارَةِ} خبر {إِنَّ} والاسم قوله: {لَما} واللام لام الابتداء؛ أي: لأحجارا {يَتَفَجَّرُ}؛ أي: يتفتح بكثرة وسعة {مِنْهُ} عائد إلى ما {الْأَنْهارُ} جمع