وأن من قدر على إحياء نفس واحدة، قادر على إحياء نفوس كثيرة، فتصدّقوا بالبعث بعد الموت. يقال: عقلت نفسي عن كذا؛ أي: منعتها منه؛ أي: لتكمل عقولكم وتعلموا أنّ من قدر على إحياء نفس واحدة، قادر على إحياء الأنفس كلها، وتمنعوا نفوسكم عن هواها، وتطيعوا الله فيما يأمركم به. ولعل الحكمة في اشتراط ما اشترط في الإحياء من ذبح البقرة وضربه ببعضها، مع ظهور كمال قدرته على إحيائه ابتداء بلا واسطة أصلا؛ لاشتماله على التقرب إلى الله تعالى وأداء الواجب، ونفع اليتيم بالتجارة الرابحة، والتنبيه على بركة التوكل على الله تعالى، والشفقة على الأولاد ونفع بر الوالدين، وأنّ من حقّ الطالب أن يقدّم قربة، ومن حق المتقرّب أن يتحدّى الأحسن ويغالي بثمنه، كما يروى عن عمر - رضي الله عنه -: أنه ضحّى بنجيبة اشتراها بثلاثمائة دينار، وأنّ المؤثر هو الله تعالى، وإنما الأسباب أمارات لا تأثير لها.
واعلم: أن الضرب كان على جيد القتيل، وذلك قبل دفنه، ومن قال: إنهم مكثوا في طلبها أربعين سنة، أو من يقول: إنهم أمروا بطلبها ولم تكن في صلب ولا رحم، فلا يكون الضرب إلا بعد دفنه. قيل: على قبره. والأظهر أنه المباشر بالضرب لا القبر،
74 - ثم أخبر الله سبحانه وتعالى عن جفائهم وقسوة قلوبهم، فقال: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} خطاب لأهل عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم من الأحبار، و {ثُمَّ}؛ لاستبعاد القسوة من بعد ذكر ما يوجب لين القلوب ورقتها. وعبارة «الصاوي» هنا: نزّل استبعاد قسوة قلوبهم؛ لظهور خوارق العادات العظيمة منزلة التراخي، فأتى بثم، وأكده بالظرف بعده. اه. ونحو الآية قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} والقسوة والقساوة: عبارة عن الغلظ والصلابة، كما في الحجر، ووصف القلوب بالقسوة والغلظ؛ مثل لنبوّها وتكبرها عن الاعتبار، وأنّ المواعظ لا تؤثر فيها، أي ثمّ صلبت وغلظت قلوبكم يا كفار بني إسرائيل! فلم تقبل الحق الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم {مِنْ بَعْدِ ذلِكَ}؛ أي: من بعد سماع تلك الآيات الباهرة، أو رؤيتها من إحياء القتيل وإخباره بقاتله، والمسخ قردة وخنازير، ورفع الجبل فوقهم، وانبجاس الماء من حجر، وغيرها من الآيات، والقوارع التي تميع منها الجبال، وتلين بها الصخور {فَهِيَ}؛ أي: القلوب {كَالْحِجارَةِ}؛ أي: مثل الحجارة في