ثم ذكر أن عاقبة مكرهم الخسران والبوار، فقال: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ} {إن}: نافية {لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} واللام: فيه مكسورة، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة، وهي لام الجحود الواقعة بعد الكون المنفي على قراءة الجمهور. قال ابن جرير: الاختيار قراءة الجمهور؛ أي: وما (?) كان مكرهم لتزول به آيات الله وشرائعه ومعجزاته الظاهرة على أيدي الرسل التي هي كالجبال في الرسوخ والثبات.
والخلاصة: تحقير شأن مكرهم، وأنه ما كان لتزول منه الآيات والنبوات الثابتة ثبوت الجبال، فليس بمزيل شيئًا منها مهما قوي، وكان غاية في المتانة والعظم. وقيل: {إنّ}. {إن} زائدة، واللام: لام الابتداء مفتوحة، والفعل بعدها مرفوع.
والمعنى (?): وكان مكرهم في العظم والشدة لتزول وتتحرك منه الجبال الظاهرة؛ أي: مسوى لإزالة الجبال عن مقارها معدًّا لذلك. قال في "الإرشاد"؛ أي: وإن كان مكرهم في غاية المتانة والشدة، وعبر عن ذلك بكونه مسوى ومعدًا لذلك؛ لكونه مثلًا في ذلك. وقرأ الجمهور (?): {وَإِنْ كَانَ} بالنون. وقرأ عمر وعلي وعبد الله وأبيّ وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو إسحاق السبيعي وزيد بن علي شذوذًا: {وإن كاد} بالدال بدل النون {لِتَزُولَ} بفتح اللام الأولى ورفع الثانية. وروي كذلك عن ابن عباس. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن وثاب والكسائي كذلك إلا أنهم قرؤوا {وَإِنْ كَانَ} بالنون فعلى هاتين القرائتين تكون إن هي المخففة من الثقيلة، و (اللام): هي الفارقة، وذلك على مذهب البصريين. وأما على مذهب الكوفيين فـ {إن} نافية، واللام بمعنى إلا، فمن قرأ: {كاد} - بالدال - فالمعنى أنه يقرب زوال الجبال بمكرهم ولا يقع الزوال. وعلى قراءة {كَانَ} - بالنون - يكون زوال الجبال قد وقع، ويكون في ذلك تعظيم مكرهم وشدته، وهو بحيث يزول منه الجبال وتتقطع عن أماكنها، ويحتمل أن يكون معنى {لِتَزُولَ}: ليقرب زوالها، فيصير المعنى، كمعنى قراءة كاد، ويؤيد هذا التأويل