40 - ثم سأل الله سبحانه بأن يجعله مقيم الصلاة محافظًا عليها غير مهمل لشيء منها حيث قال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ}؛ أي: معدلًا (?) لها بأركانها وشروطها وآدابها، من أقمت العود إذا قومته، أو مواظبًا عليها، من قامت السوق إذا نفقت؛ أي: راجت أو مؤديًّا لها محافظًا عليها في أوقاتها، والاستمرار يستفاد من العدول من الفعل إلى الاسم حيث لم يقل: اجعلني أقيم الصلاة. {وَ} اجعل {مِنْ ذُرِّيَّتِي} من يقيم الصلاة، وإنما أدخل لفظة {مِنْ} التي هي للتبعيض في قوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}؛ لأنه علم بإعلام الله تعالى إياه أنه قد يوجد من ذريته جمع من الكفار لا يقيمون الصلاة، فلهذا قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} وأراد بهم المؤمنين من ذريته.
والمعنى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ}؛ أي (?): رب اجعلني مؤديًّا ما ألزمتني من فريضتك التي فرضتها علي، واجعل أيضًا بعض ذريتي مقيمي الصلاة، وقد خصّ الصلاة من بين فرائض الدين؛ لأنها العنوان الذي يمتاز به المؤمن من غيره، ولما لها من المزية العظمى في تطهير القلوب بترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ثم سأل الله سبحانه أن يتقبل دعاءه على العموم، ويدخل في ذلك دعاءه في هذا المقام دخولًا أوليًّا حيث قال: {رَبَّنَا} ويا مالك أمرنا، فاسمع ندائي {وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}؛ أي (?): واستجب دعائي هذا المتعلق باجعلني، واجعل بعض ذريتي مقيمي الصلاة ثابتين على ذلك مجتنبين عن عبادة الأصنام، ولذلك جيء بضمير الجماعة في قوله: {رَبَّنَا}. وقرأ (?) ورش وأبو عمرو وحمزة وأبو جعفر: {وتقبل دعائي} بياء في الوصل. والبزي ويعقوب وصلًا ووقفًا، ويقف عليها بالهمزة الباقون. {دُعَاءِ} بغير ياء في الحالين. قال أبو علي: الوقف والوصل بياء هو القياس، والإشمام جائز لدلالة الكسرة على الياء.
41 - ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر له ما وقع منه مما يستحق أن يغفره الله، وإن لم يكن كبيرًا؛ لما هو معلوم من عصمة الأنبياء عن الكبائر، فقال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي}؛ أي: ما فرط مني من ترك الأولى في باب الدين وغير ذلك مما لا