والمعنى (?): إنك تعلم أحوالنا وما يصلحنا وما يفسدنا، وأنت أرحم بنا منا، فلا حاجة بنا إلى الدعاء والطلب إنما ندعوك إظهارًا للعبودية لك، وتخشعًا لعظمتك، وتذلّلًا لعزتك، وافتقارًا إلى ما عندك. وقيل: معناه تعلم ما نخفي من الوجد بفرقة إسماعيل وأمه حيث أسكنتهما بواد غير ذي زرع، وما نعلن يعني: من البكاء. وقيل: {مَا نُخْفِي} يعني: من الحزن المتمكن في القلب: {وَمَا نُعْلِنُ} يعني: ما جرى بينه وبين هاجر عند الوداع حين قالت لإبراهيم عليه السلام: إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله، قالت: إذًا لا يضيعنا.
{وَمَا يَخْفَى} دائمًا (?)؛ إذ لا ماضي ولا مستقبل ولا حال بالنسبة إلى الله تعالى {عَلَى اللَّهِ} علام الغيوب سبحانه وتعالى {مِنْ} للاستغراق {شَيْءٍ} ما {فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}؛ لأنه العالم بعلم ذاتي تستوي نسبته إلى كل معلوم لا عارض ولا كسبي، ليختص بمعلوم دون معلوم كعلم البشر والملك، تلخيصه لا يخفي عليك شيء ما في أي مكان، فافعل بنا ما هو مصلحتنا، فالظرف متعلق بـ {يَخْفَى}، أو شيء ما كائن فيهما على أنه صفة لـ {شَيْءٍ}، وهذا على القول بأنه من كلام إبراهيم عليه السلام، قاله تحقيقًا لقوله الأول وتعميمًا بعد التخصيص، وقيل: هو من كلام الله تعالى قاله تصديقًا لإبراهيم عليه السلام، وهو اعتراض بين كلامي إبراهيم، فالوقف على {نُعْلِنُ} حسن كالوقف على {فِي السَّمَاءِ}، والمعنى عليه: وما يخفى على الله شيء من الأشياء الموجودة كائنًا ما كان، وإنما ذكر السماوات والأرض؛ لأنها المشاهدة للعباد، إلا فعلمه سبحانه محيط بكل ما هو داخل في العالم، وكل ما هو خارج عنه لا تخفى عليه منه خافية.
39 - ثم حمد الله تعالى على بعض نعمه الواصلة إليه، فقال: {الْحَمْدُ} والشكر {لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ}؛ أي: مع كبر سني. فـ {عَلَى} هنا (?) بمعنى مع، وهو في موقع الحال؛ أي: وهب لي وأنا كبير آيس من الولد، قيد الهبة بحال الكبر استعظامًا للنعمة وإظهارًا لشكرها؛ لأن زمان الكبر زمان العقم {إِسْمَاعِيلَ}