بِآياتِ اللَّهِ}؛ أي: إن (?) ما حل بهم من ضروب الذلة والمسكنة، واستحقاق الغضب الإلهي، كان بسبب ما استمرأته نفوسهم من الكفر بآيات الله التي آتاها موسى، وهي معجزاته الباهرة التي شاهدوها، فإن إعناتهم له وإحراجهم إياه دليل على أنه لا أثر للآيات في نفوسهم، فهم لها جاحدون منكرون، ويقتلون النبيين بغير الحق، فهم قتلوا شعياء، وزكرياء، ويحيى، وغيرهم بغير الحق؛ أي: بغير شبهة عندهم تسوّغ هذا القتل، فإن من يأتي الباطل قد يعتقد أنه حق؛ لشبهة تعنّ له، وكتابهم يحرّم عليهم قتل غير الأنبياء فضلا عن الأنبياء إلا بحق يوجب ذلك.
وفي قوله: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} مع أن قتل غير النبيين لا يكون إلا كذلك، مزيد تشنيع بهم، وتصريح بأنهم ما كانوا مخطئين في الفهم، ولا متأوّلين للحكم، بل هم ارتكبوه عامدين مخالفين لما شرع الله لهم في دينهم.
{ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ}؛ أي: إن كفرهم بآيات الله، وجرأتهم على النبيين بالقتل إنما كانا بسبب عصيانهم، وتعدّيهم حدود دينهم، فإن للدين هيبة في النفس تجعل المتديّن به يحذر مخالفة أمره، حتى إذا تعدّى حدوده مرة ضعف ذلك السلطان الدينيّ في نفسه، وكلما عاد إلى المخالفة كان ضعفه أشد إلى أن تصير المخالفة طبعا وعادة، وكأنه ينسى حدود الدين ورسومه، ولا يصبح للدين ذلك الأثر العميق الذي كان متغلغلا في قرارة نفسه،
62 - ثم دعا الله سبحانه وتعالى أهل الملل من المؤمنين بألسنتهم، واليهود، والنصارى، والصابئين إلى الإيمان الصادق وإخلاص العمل لله، وساقه بصيغة الخبر، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} وهذه الآية معترضة بين قصص بني إسرائيل؛ أي إنّ (?) الذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة القلوب، وهم المنافقون بقرينة انتظامهم في سلك الكفرة، والتعبير عنهم بذلك دون عنوان النفاق؛ للتصريح بأنّ تلك المرتبة وإن عبر عنها بالإيمان لا تجديهم نفعا أصلا، ولا تنقذهم من ورطة الكفر قطعا،