المؤمنين، وليس ذلك بخذلان لهم. قال ابن عباس، والحسن - رضي الله عنهم -: لم يقتل قطّ من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال، وكل من أمر بقتال نصر، فظهر أن لا تعارض بين قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} وقوله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا}: وقوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)} مع أنه يجوز أن يراد به النصرة بالحجّة وبيان الحق، وكلهم بهذا المعنى منصور. روي أنهم قتلوا في يوم واحد سبعين نبيا.
فإن قلت: لم عرّف الحق هنا ونكره في آل عمران والنساء؟
قلت: لأن ما هنا لكونه وقع أولا إشارة إلى {الْحَقِّ} الذي أذن الله أن تقتل النفس به، وهو قوله: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} فكان التعريف به أولى، وهناك أريد به {بغير حق} في معتقدهم ودينهم، فكان بالتنكير أولى انتهى. من فتح الرحمن.
{ذلِكَ} المذكور من كفرهم بآيات الله العظام، وقتلهم أنبياء الله الكرام عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام {بِما عَصَوْا}؛ أي: بسبب عصيانهم بترك المأمورات {وَكانُوا يَعْتَدُونَ}؛ أي: وبسبب اعتدائهم ومجاوزتهم الحد بارتكاب المنهيات؛ أي: ذلك بسبب مجاوزتهم أمري وارتكابهم محارمي؛ أي: جرّ بهم العصيان والتمادي في العدوان إلى المشار إليه، فإن صغار الذنوب إذا دووم عليه أدت إلى كبارها، كما أن مداومة صغار الطاعات مؤدية إلى تحري كبارها، وسقم القلب بالغفلة عن الله تعالى منعهم عن إدراك لذاذة الإيمان وحلاوته؛ لأن المحموم ربما وجد طعم السّكر مرّا، فالغفلة سمّ للقلوب مهلك، فنفرة قلوب المؤمنين عن مخالفة الله نفرتك عن الطعام المسموم و (ما) في قوله:
{بِما عَصَوْا} مصدرية، كما أشرنا إليه في الحل؛ أي: ذلك بعصيانهم، ولم (?) يعطف الاعتداء على العصيان؛ لئلا يفوت تناسب مقاطع الآي؛ وليدل على أن الاعتداء صار كالشيء الصادر منهم دائما، والمعنى {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ