وكيف كتابتهم، وأين محلهم، وما حكمة ذلك مع أن علمه تعالى بأعمال الإنسان كافٍ في الثواب والعقاب عليها، وقد يكون من حكمة ذلك أنه إذا علم الإنسان أن أعماله محفوظة لدى الحفظة الكرام .. كان أجدر بالإذعان لما يلقاه من ثواب وعقاب يوم العرض والحساب.
وقرأ عبيد بن زياد على المنبر (?): {له المعاقب}، وهي قراءة أبيّ وإبراهيم. وقال الزمخشرى: وقرىء: {له معاقيب}. قال أبو الفتح: هو تكسير {معْقب} - بسكون العين وكسر القاف - كمطعم ومطاعم ومقدم ومقاديم، وكأن معقبًا جمع على معاقبة، ثم جعلت الياء عوضًا عن الهاء المحذوفة في معاقبة. وقرىء: {له معتقبات} من اعتقب. وقرأ أبي من بين يديه ورقيب من خلفه. وقرأ ابن عباس: {ورقباء من خلفه} وذكر عنه أبو حاتم أنه قرأ له: {معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه}. وينبغي حمل هذه القراءات على التفسير لا أنها قرآن لمخالفتها سواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون فهي كلها شاذة. وقرأ علي وابن عباس وعكرمة وزيد بن علي وجعفر بن محمَّد: {يحفظونه بأمر الله}. وتدل هذه القراءة الشاذة على كون {مِنْ} بمعنى الباء السببية في قراءة: {مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}.
{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من العافية والأمن والنعمة والرزق، ولا يزيله عنهم {حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}؛ أى: حتى يتركوا ما يلزمهم من الشكر، وينقلبوا من الأحوال الجميلة إلى القبيحة. وعبارة "البيضاوي": أن الله لا يغير ما بقوم من العافية والنعمة حتى يغيروا ما بأنفسهم من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة.
والمعنى (?): أن الله سبحانه وتعالى لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية، فيزيلها عنهم ويذهبها حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك بظلم بعضهم بعضًا، واعتداء بعضهم على بعض، وارتكابهم للشرور والموبقات التي تقوض نظم المجتمع، وتفتك بالأمم كما تفتك الجراثيم، فعند ذلك تحل نقمته بهم، وهو