يدعيه من النبوة كعصا موسى وناقة صالح وإحياء عيسى للموتى، وذلك أنهم لم يقتنعوا بما رأوا من الآيات التي جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. و {لَوْلَا} (?) تحضيضية بمعنى هلا، والتنوين في {آيَةٌ} للتعظيم؛ أي: آية جلية يستعظمها من يدركها في بادئ نظره. والمعنى: ويقول الذين كفروا تعنتًا وعنادًا: هلا يأتينا بآية من ربه كعصا موسى وناقة صالح، فيجعل لنا الصفا ذهبًا، ويزيح عنا الجبال، ويجعل مكانها مروجًا وأنهارًا، وقد طلبوا ذلك ظنًّا منهم أن القرآن كتاب كسائر الكتب لا يدخل في باب المعجزات التي أتى بها الرسل السالفون عليهم السلام. وقد رد الله عليهم الشبهة بقوله في آية أخرى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ}؛ أي: إن سنتنا أن الآيات إن لم يؤمن بها من طلبوا بها أهلكناهم بذنوبهم، ولم نشأ أن يحل بكم عذاب الاستئصال.
ولما كان (?) النبي - صلى الله عليه وسلم - راغبًا في إجابة مقترحاتهم حُبًّا في إيمانهم .. بين وظيفته التي أرسل لأجلها، فقال: {إِنَّمَا أَنْتَ} يا محمَّد {مُنْذِرٌ}؛ أي: رسول مرسل للإنذار والتخويف من سوء عاقبة ما يأتون ويذرون، ولا حاجة إلى إلزامهم بإتيان ما اقترحوا من الآيات، ولو أجيبوا إلى ما اقترحوا لأدى ذلك إلى إتيان ما لا نهاية له؛ لأنه كلما أتى بمعجزة طلبها واحد منهم .. جاء آخر منهم، فطلب منه معجزة أخرى، وذلك يوجب سقوط دعوة الأنبياء.
والمعنى: أن (?) وظيفتك التي بعثت لها هي الإنذار من سوء مغبة - عاقبة - ما نهى الله عنه كدأب من قبلك من الرسل، وليس عليك الإتيان بالآيات التي يقترحونها ابتغاء هدايتهم، فأمر ذلك إلى خالقهم وهاديهم: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}.