{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ}. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} فيعاقب من يشاء منهم حين يشاء، فتأخير ما استعجلوه ليس للإهمال.
أي: وإن ربك (?) يا محمَّد ليعاقب في الآخرة عقابًا شديدًا لمن يجترح السيئات، وهو متمادٍ في غوايته سادر (?) في آثامه، وقد يعجل له قسطًا منه في الدنيا، ويكون جزاءً له على ما سولت له نفسه، كما يشاهد لدى المدمنين على الخمور من اعتلال وضعف، ومرض مزمن، وفقر مدقع، وذل وهوان بين الناس. وفي المقامرين من خراب عاجل وإفلاس في المال والذل بعد العز. وربما اقتضت حكمته أن يؤجل له ذلك إلى يوم مشهود يوم يقوم الناس لرب العالمين، فيستوفي قطه هناك نارًا تكوى بها الجباه والجنوب، وتبدل الجلود غير الجلود، وقد قرن المغفرة بالعقاب في مواضع كثيرة من الكتاب الكريم؛ ليعتدل الرَّجاء والخوف كقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} وقوله: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)} إلى أمثال ذلك من الآيات التي تجمع الخوف والرجاء. روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال: لما نزلت هذه الآية: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ ...} إلخ. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدًا العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل واحد".
7 - وبعد (?) أن ذكر طعنهم في نبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لقوله بالحشر والمعاد، ثم طعنهم فيه؛ لأنه أنذرهم بحلول عذاب الاستئصال .. ذكر أنهم طعنوا فيه؛ لأنه لم يأت لهم بمعجزة مبينة كما فعل الرسل من قبله، فقال: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا} مكة تعنتًا وجحودًا {لَوْلَا}؛ أي: هلَّا {أُنْزِلَ عَلَيْهِ}؛ أي: على محمَّد - صلى الله عليه وسلم - {آيَةٌ}؛ أي: علامة دالة على صدقه ونبوته {مِنْ رَبِّهِ} إن كان صادقًا فيما